إطلاق الحوثيين لمعسكرات “التلقين” الصيفية يعيد معضلة تجنيد الأطفال إلى الواجهة

أعادت دعوة زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي الأسر اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرته إلى تشجيع أبنائهم على الالتحاق بمعسكرات “التلقين” الصيفية، إلى الواجهة معضلة تجنيد أطفال اليمن وأكدت تملص الحوثيين من التزماتهم الأممية بعد أن تعهدوا بالتوقف عن ذلك مرارا، آخرها في سنة 2022.

وأعلن عبدالملك الحوثي، يوم السبت، افتتاح المعسكرات الصيفية السنوية، قائلا إنها ستملأ أوقات فراغ أطفال البلاد خلال فصل الصيف، وستعلمهم أفكارا متجذرة في “الهوية الإيمانية” لليمن، والتي من شأنها أن تحميهم من غزو الأفكار الأجنبية وتحفيزهم أيضا على مواجهة أعدائهم.

وقال الحوثي إن “الأعداء ينزعجون من الدورات الصيفية، وعادة ما تبدأ وسائل إعلامهم حملات منظمة تهاجم الدورات والقائمين عليها، داعيا أنصاره إلى عدم الاستماع إلى المنتقدين”.

وبعد خطاب زعيمهم، أطلق المسؤولون الحوثيون في صنعاء وحجة والحديدة وغيرها من المناطق التي تسيطر عليها الميليشيا مخيمات صيفية في مدنهم وشجعوا الآباء على إرسال أطفالهم.

وعلى غرار المعسكرات الصيفية في السنوات السابقة، واجه الحوثيون اتهامات من مسؤولي الحكومة اليمنية الشرعية والصحافيين والناشطين ومنظمات حقوق الإنسان باستغلال المدارس والمساجد والمرافق الأخرى المستخدمة في هذه المعسكرات لتلقين الأطفال وتجنيدهم وتدريبهم على العمل العسكري.

ويقول الصحافي علي الفقيه “قامت ميليشيا الحوثي بتحويل هذه المعسكرات الصيفية إلى معسكرات تعبئة قبل التجنيد… هذه هي الخطوة الأولى في عملية التوظيف”.

وأضاف الفقيه أنه “بدلا من تعليم الأطفال السلام والقيم الإنسانية والموسيقى والرسم، يتم تعليم الأطفال في معسكرات الحوثيين أفكارا طائفية تثير الكراهية والعنف والقتل، فضلا عن كيفية صنع نماذج للمعدات العسكرية”.

وتابع “للأسف، كل الأيديولوجيات التي يتم تدريسها في هذه المعسكرات تروج للطائفية، وتحرض على الكراهية والعنف، وتصنع القنابل الموقوتة”.

وأظهرت مقاطع فيديو من المخيمات الصيفية للحوثيين في السنوات الأخيرة شخصيات حوثية وهي تعلم الشباب كيفية استخدام الأسلحة بينما تم اصطحاب بعض الأطفال في جولة على قبور المقاتلين الحوثيين المتوفين.

وشوهد أطفال آخرون وهم يرددون شعارات الحوثيين، ويعلنون الولاء لزعيم الميليشيا، ويتعهدون بمحاربة معارضي الميليشيات مثل إسرائيل والولايات المتحدة، ويشاركون في عروض عسكرية وهمية.

وحذر منتقدون الأسر التي تعيش في مناطق سيطرة الحوثيين من الاستماع إلى دعوات الميليشيا للانضمام إلى المعسكرات الصيفية، مشيرين إلى أن العديد من خريجي تلك المعسكرات وجهوا أسلحتهم نحو عائلاتهم.

وقال المنتقدون “إلى أولياء الأمور في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الإرهابية، قاطعوا مخيمات الحوثي الصيفية حفاظا على حياة أطفالكم”.

وقال صالح القطيبي، وهو ضابط في الجيش اليمني في مدينة مأرب وسط البلاد، “احذروا رجال الدين والدجالين والألفاظ الخادعة”.

وفي تقريرهم الأخير إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي صدر في أواخر العام الماضي، اتهم فريق خبراء الأمم المتحدة الحوثيين بارتكاب غالبية انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن، بما في ذلك تجنيد الأطفال.

وقالوا إن المخيمات الصيفية الحوثية تتواجد في ثلاثة أشكال: مخيمات صيفية مفتوحة للبنين والبنات، ومخيمات صيفية نموذجية للأطفال، ومخيمات صيفية سكنية مغلقة يقضي فيها الأولاد الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 عاما شهرا على الأقل دون رؤية أحد، بما في ذلك عائلاتهم. وقال التقرير إن المعسكرات الأخيرة توفر للأولاد تدريبا عسكريا.

ولإدخال الشباب إلى معسكراتهم، يقدم الحوثيون حوافز مثل التنازل عن تكاليف التسجيل للعام الدراسي التالي. وتتعرض الأسر التي ترفض إرسال أطفالها إلى المخيمات للعقاب من خلال حرمانها من المساعدة الإنسانية واختطاف أطفالها وإرسالهم إلى النزاع.

وقال الفقيه “هذا العام إن الحوثيين في محافظة إب لن يعلنوا عن نتائج العام الدراسي للطلاب إذا لم يحضروا المعسكرات الصيفية”.

وأضاف “لقد ربطوا تقديم نتائج العام الدراسي الماضي بحضور الطالب في المراكز الصيفية”.

وقالت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة في وقت سابق من هذا العام إن الحوثيين، وهم حركة دينية شيعية زيدية تحولت إلى ميليشيا متمردة لها علاقات مع إيران، يعتمدون نظاما لتجنيد الأطفال، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية للضغط على العائلات.

ووقّعت الأمم المتحدة والحوثيون في العاصمة اليمنية صنعاء في 2022 “خطة عمل” تهدف إلى منع تجنيد الأطفال في الحرب وحماية المرافق التعليمية، وسط شكوك في مدى التزام الحوثيين بتنفيذها.

ويتهم الحوثيون بتجنيد الأطفال للقتال في نزاعهم ضد الحكومة المعترف بها دوليا منذ بداية الحرب في العام 2014.

وقالت الأمم المتحدة في بيان إنّ هدف خطة العمل التي جرى التوقيع عليها في صنعاء “حماية الأطفال ومنع الانتهاكات الجسيمة بحقهم (…) وحظر تجنيد واستخدام الأطفال في النزاعات المسلحة، بما في ذلك في أدوار الدعم”.

وتمنح خطة العمل الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة ومناطق شاسعة في شمال وغرب اليمن، ستة أشهر “لتحديد جميع الأطفال دون سن الـ18 المتواجدين في صفوفهم”، وتطالب “بتسهيل إطلاق سراحهم وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم”.

وتتضمّن الخطة كذلك “أحكاما لمنع قتل الأطفال وتشويههم وحماية المرافق الصحية والتعليمية وموظفيها”.

وكان تقرير لخبراء المنظمة قُدم لمجلس الأمن الدولي ونشر في يناير 2022، قال إنه يمتلك قائمة تضم 1406 أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاما، جنّدهم الحوثيون ولقوا حتفهم في الحرب سنة 2020.

وبحسب معطيات الأمم المتحدة، جرى قتل أو تشويه “أكثر من 10200 طفل” في الحرب، وتم التحقق من تجنيد ما يقرب من 3500 واستخدامهم في اليمن منذ بداية النزاع.

كما بات ما يزيد عن 2500 مدرسة في البلاد غير صالحة للاستخدام، بحسب الأمم المتحدة، إذ تم تدميرها أو تحويلها إلى أغراض عسكرية أو استخدامها كمراكز إيواء للنازحين.

وتنوعت انتهاكات ميليشيات الحوثي بحق الأطفال، بين “إجبارهم على تنفيذ مهام كالقتال المباشر، ونقل الإمداد، وجمع المعلومات، وزراعة الألغام، وقيادة السيارات والدراجات النارية، وبناء التحصينات والخنادق، ومرافقة القيادات والمشرفين، وكذلك العمل في نقاط التفتيش، الأمر الذي يعرضهم للقتل أو الأسر، وكذلك الإصابات بعاهات مستدامة”، بحسب التقرير.

وتسبّبت الحرب في اليمن بمصرع أكثر من 400 ألف شخص بشكل مباشر أو غير مباشر، وفق الأمم المتحدة، أي أنهم قضوا إما في القصف والقتال وإما نتيجة التداعيات غير المباشرة للحرب مثل الجوع والمرض ونقص مياه الشرب.

ويعد تجنيد الأطفال انتهاكا خطيرا لحقوق الأطفال ويؤثر سلبا على مستقبلهم وعلى البنية الاجتماعية للمجتمع اليمني، وتدعو منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي إلى تطبيق تدابير لحماية الأطفال وإعادة تأهيل المجندين منهم، وتشمل هذه التدابير فرض عقوبات على المسؤولين عن تجنيدهم واستخدام المدارس والمراكز الصيفية في استقطاب الأطفال والتأثير عليهم فكريا.

عن موقع جريدة “العرب” بتصرف

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar