شهداء الثورة الجزائرية أوصوا تبون العسكر بعدم الاستدانة من الخارج!

في ظل الازمات التي يتخبط فيها نظام العسكر الجزائري في كل المجالات، يواصل عبد المجيد تبون حبك الحكايات لتنويم الشعب وصرف نظره عن الفشل الدريع الذي منيت به سياسات الكابرانات في مواجهة التحديات المطروحة امامهم، وذلك بسبب العقليات المتحجرة التي لا تزال تتحكم في قراراتهم وسلوكاتهم سواء تجاه الداخل او الخارج.

نظام العسكر الجزائري، وفي محاولة للهروب إلى الامام، يحاول دائما تعليق فشله على شماعة “العدو” الخارجي الذي يتربص بأمن وسلامة ووجود الجزائر، مستعملا بذلك “نظرية المؤامرة” التي يتقن استغلالها للهروب من المسؤولية وجعل الشعب يلتف حول الجيش الذي لا يزال يتحكم في كل كبيرة وصغيرة منذ ستينيات القرن المنصرم.

وفي هذا الإطار، أدرج الرئيس الجزائري المعين عبدالمجيد تبون ملفي الاستدانة والاستيراد في الخطاب السياسي الذي اعتاد على ربط أي مشكلة تواجهها البلاد بوجود مؤامرة، حيث اتهم الحكومات السابقة بجر البلاد إلى الاستدانة في إطار مخطط لخنق البلاد، بينما تحدث وزير التجارة طيب زيتوني عن “جهات أجنبية تضغط على الحكومة من أجل فتح الاستيراد” كما كان سابقا، بغية استنزاف رصيد العملة الصعبة.

ووجه تبون رسائل سياسية إلى الداخل والخارج في مرافعته لصالح حصيلته الاقتصادية في الخطابات التي ألقاها مؤخرا، لاسيما في ما يتعلق بإنقاذ البلاد من مسار الانهيار، المنتهج من طرف الحكومات السابقة، خلال ما وصفه بـ”العشرية المافياوية”، في إشارة إلى الخيارات الاقتصادية ومناخ الفساد السياسي والمالي السائد قبل عام 2019.

واتهم المسؤولين السابقين بالتخطيط لجر البلاد إلى أبواب المؤسسات المالية الدولية من أجل الاستدانة، والدفع بها إلى فقدان سيادة قرارها الاقتصادي والسياسي، غير أن ما وصفه بـ”الحراك المبارك” أنقذ الدولة من الانهيار ومن قبضة العصابة.

ومسحت رسائل تبون خطوط التماس العازلة بين السياسي والاقتصادي، لاسيما في ظل البراغماتية الحديثة التي تحمل رؤية دقيقة للمصالح بعيدا عن تجاذبات السياسة، ما يثبت أن نظرة القيادة السياسية الجزائرية مازالت تنظر إلى الاستدانة بعين “الشيطنة” بناء على تجارب سابقة، بينما يراها مختصون نوعا من التمويل لتنشيط السلسلة الاقتصادية والتنموية، ومصدرا للاستثمار والثقة لدى المؤسسات المالية.

وفي نفس السياق ذهب وزير التجارة، أمس الخميس، في تصريح له أمام نواب الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني) إلى القول بأن جهات أجنبية تمارس الضغط على الحكومة من أجل فتح الاستيراد كما كان سابقا، بغية استنزاف رصيد النقد الأجنبي، وهي الرسالة التي تتماهى مع الخطاب الذي يزج بالشأن الاقتصادي والمالي في الشأن السياسي، وتكرس رؤية المؤامرة التي يروج لها في الدوائر والنخب الرسمية في البلاد.

وقال في جلسة الرد على أسئلة النواب “هناك بعض المنظمات الجهوية والفضاءات الأجنبية تريد الضغط على الجزائر من خلال دفعها إلى الاستيراد واستنزاف قدراتها من العملة الصعبة”.

وأكد على أن “الهدف من الإستراتيجية الوطنية التي تعتمدها الوزارة هو تأطير الواردات وليس تجميدها كما تدعي بعض المنظمات الجهوية والفضاءات الأجنبية”.

وأضاف “هذه الإستراتيجية سمحت بتحول العديد من المستوردين إلى مُصنعين وكل من كانوا يستوردون أمورا تافهة أصبحوا مصدرين نتيجة التدابير المتخذة لضبط الواردات، وهناك نتائج إيجابية لتقليص فاتورة الاستيراد منها أنه عندما لا نستورد دولارا واحدا فهذا يعني أننا أنتجناه، وأن هذا الأمر يندرج ضمن إستراتيجية اقتصادية مدروسة ومتكاملة”.

ودافع تبون في خطاباته ورسائله الأخيرة، بمناسبة عيد العمال العالمي وذكرى مجازر الثامن من مايو 1945، ومخاطبته لمنتسبي المؤسسة العسكرية، بشراسة عما أسماه بسيادة القرار الناجم عن الخيارات الاقتصادية المنتهجة بما فيها رفض الاستدانة.

وقال “الذهاب إلى الاستدانة من الخارج هو خيانة لأمانة شهداء الثورة التحريرية”، وإن “العشرية المافياوية حاربت الإنتاج الوطني وعملت على تقسيم خيرات البلاد وفصلت نصوصا قانونية على مقاسها وأنشأت شركات وهمية للاستيراد واستنزفت احتياطي الصرف، وأن تحريات أجريت سنة 2022 أسفرت عن تسجيل 900 مؤسسة اقتصادية تم غلقها لأنها تعطل مصالح العصابة في الاستيراد”، ونسي تبون انه كان ضمن هذه الحكومات خلال ما سماه بالعشرية المافيوزية، وهو ما يكشف زيف ادعاءاته ومدى الاستخفاف بعقول الجزائريين.

وتابع “خطابات البهتان التي كانت تدعي عجز الخزينة عن دفع أجور العمال ووصول احتياطي الصرف إلى أدنى مستوياته والفساد الذي نخر كل القطاعات خلال عشرية حكم العصابة التي تم فيها التخلي كليّا عن الطبقة العاملة والوسطى والطبقة الهشة، وأن تلك الممارسات كان الهدف منها إحباط معنويات الجزائريين وتسليم البلاد للخارج من خلال وضع الجزائر في يد صندوق النقد الدولي”، وهي محاولات فاشلة للركوب على عواط الشعب قصد تبرير فشل النظام العسكري.

ومنذ عام 2019 انتهجت الجزائر خطا تمتزج فيه كل خيارات الدولة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وحولت مصالحها ومقدراتها إلى واحدة من الآليات المستعملة في التعاطي مع مختلف قضاياها وملفاتها الداخلية والخارجية، وهو ما بدأ بقرار وقف اتفاق ضخ الغاز إلى إسبانيا عبر الخط العابر للمغرب عام 2021، بسبب الخلافات السياسية بين البلدين.

كما أشهرت بعد ذلك ورقة التبادل التجاري والاقتصادي مع إسبانيا، حيث تم تجميد كل عمليات الاستيراد والتصدير ما عدا الغاز إلى إسبانيا، بسبب إعلانها وقف العمل باتفاقية الشراكة الإستراتيجية، إثر قرار مدريد الداعم للمقاربة المغربية فيما يتعلق بحل قضية الصحراء المغربية.

وانتهجت نمطا اقتصاديا يقوم على حظر الاستيراد، بدعوى دعم الإنتاج المحلي ووقف نزيف رصيد النقد الأجنبي في إطار الممارسات المعمول بها في وقت سابق، الأمر الذي أفرز حالة من الندرة والغلاء في مختلف المواد الاستهلاكية، وأثار انتقادات شديدة للحكومة، لكن رغم ذلك تتمسك السلطة بخيارها وتزعم أن الحظر يستهدف تنظيم القطاع وليس حرمان المستهلك، والمحافظة على مخزون النقد الأجنبي من الاستنزاف.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar