“أغمات”.. أقدم مدينة في المغرب تكشف أسرارها الأثرية

تقع مدينة “أغمات” الأثرية على بعد 32 كيلومترا من مدينة مراكش، عند بداية سفوح جبال الأطلس الكبير. تعتبر “أغمات” واحدة من أقدم المدن في المغرب، ويعود تاريخها إلى ما قبل دخول الإسلام إلى المنطقة. إذ كانت مأهولة بالسكان الأمازيغ عندما دخل عقبة بن نافع إلى شمال أفريقيا سنة 689 ميلادية.

اكتشاف الموقع الأثري

في عام 2005، تم اكتشاف الموقع الأثري لمدينة “أغمات” بفضل تنسيق بين المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث وجامعة “فاندربيلت” الأميركية. هذا الاكتشاف أتاح للباحثين فرصة فريدة لدراسة تاريخ هذه المدينة القديمة التي تعاقبت عليها حضارات عدة.

تعاقب الحضارات

شهدت “أغمات” مرور حضارات مختلفة، بدءًا من الدولة الإدريسية مرورًا بإمارة مغراوة وصولًا إلى المرابطين. لكن نجم المدينة أفل خلال العهد الموحدي، حيث توالت الأزمات السياسية، بعدما كانت مركزًا حضاريًا وإستراتيجيًا وعمرانيًا مهمًا. وصفها الجغرافي أبو عبيد الله البكري قائلاً: “ومدينة أغمات، مدينتان سهليتان إحداهما تسمى أغمات أيلان والأخرى أغمات وريكة (…) وبها مسكن رئيسهم، وبها ينزل التجار والغرباء، وأغمات أيلان (…) بلد واسع تسكنه قبائل مصمودة في قصور وديار (…) وبها أسواق جامعة”.

ضريح المعتمد بن عباد

استقر المرابطون في “أغمات” القديمة إلى حدود تشييد مراكش سنة 1062، وجعلوا منها مقرًا لإقامة ونفي ملوك الطوائف بعد توحيد الأندلس. لهذا السبب يوجد بها ضريح المعتمد بن عباد، حاكم إشبيلية، شاهداً على حقبة تاريخية تعود إلى نهاية القرن العاشر.

أقدم حمام في المغرب

اكتُشف في الموقع الأثري لمدينة “أغمات” أقدم حمام في المغرب، بعد أن كان مطمورًا وسط كومة من الأحجار والتربة. يتكون الحمام من ثلاث غرف مغطاة ومختلفة الحرارة، بين باردة ودافئة وساخنة، على غرار هندسة الحمامات الشعبية الحالية. كما توجد به سراديب بعلو يصل إلى 4 أمتار.

شيد الحمام في نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر، ويتميز بكبر مساحته مقارنة مع حمامات تلك الفترة، إذ تصل مساحته إلى 13 هكتارًا. استُعمل الحمام لغرض الاستحمام لأكثر من 500 سنة، قبل أن يتحول بعدها إلى ورشة تقليدية ثم يتعرض للإهمال إلى أن تم اكتشافه بشكل عرضي إثر القيام بأنشطة زراعية بالمنطقة.

قصر من طين

لم يتبق من “أغمات” الأثرية سوى الأطلال؛ سور ومسجد ومسكن للإمام، فضلاً عن قصر “أغمات” الذي يعود تاريخ تشييده إلى القرن الرابع عشر. كشفت الأبحاث الأركيولوجية تطورات وتجديدات عبر مراحل تاريخية متعاقبة على هذا البناء، كما أظهرت أن القصر شُيد على مساحة تصل إلى 250 مترًا مربعًا.

تصميم متقن للمياه

كان تصميم مرور المياه داخل القصر متقنًا ومرتبطًا بالساقية الكبرى، التي تزود في الوقت نفسه الحمام ونافورة المسجد والصهاريج والخطارات. هذا النظام المتقن يعكس مدى التقدم الهندسي والمعماري الذي بلغته “أغمات” في تلك الفترات.

تبرز مدينة “أغمات” كواحدة من أهم المواقع الأثرية في المغرب، حيث تعكس تاريخًا عريقًا يمتد لقرون طويلة. الاكتشافات الأثرية المستمرة في “أغمات” تساهم في فهم أعمق لتاريخ المغرب وحضاراته المتعاقبة، مما يجعلها وجهة مثيرة للباحثين وعشاق التاريخ على حد سواء.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar