مع اقتراب الانتخابات الرئاسية..غموض يكتنف المشهد العام في الجزائر

لم يفض اللقاء المنعقد بين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وقادة الأحزاب السياسية الممثلة في المجالس المنتخبة إلى نتائج واضحة، وهو ما يثير التساؤل عن جدوى المشاورات وأهدافها، في وقت تبدو فيه البلاد مقبلة على استحقاق رئاسي.

ولا يزال الغموض والجمود يكتنفان المشهد العام في الجزائر، بسبب المناخ السياسي السائد وحصيلة السنوات الخمس التي همشت الطبقة السياسية ووضعتها على حافة الاندثار.

وتفادى المشاركون في اللقاء بين الطرفين الحديث عن النتائج؛ حيث تباينت الأفكار والمواقف التي طرحت في لقاء المشاورات، التي جرت بين الرئيس عبدالمجيد تبون وقادة 27 حزبا سياسيا ممثلة في المجالس المنتخبة المحلية والوطنية، بين داع للاستمرارية، في إشارة إلى دعم بقاء الرئيس الحالي لولاية رئاسية ثانية، وبين مطالب بإجراءات تهدئة تشمل فسح مجال التعبير والنشاط السياسي ورفع اليد عن حرية الإعلام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.

وعبر رئيس حركة البناء الوطني عبدالقادر بن قرينة، الذي شارك في انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2019، عن دعمه لاستمرار الرئيس تبون في موقعه، حتى قبل الكشف عن نتائج الاستشارة التي أطلقتها حركته، وهو ما يرجح الفرضية القائلة بأن بن قرينة إلى جانب عدد من القادة الحزبيين ينتظرون فقط إعلان الرجل عن ترشحه من أجل الكشف عن موقفهم، دون العودة الحقيقية إلى قواعدهم النضالية.

وعاد المتحدث إلى مقاربة “التلاحم الوطني” التي أطلق لأجلها مبادرة سياسية لم تفض إلى نتائج ملموسة مع شركائه، بالتأكيد على ما أسماه بـ”تلاحم الشعب مع جيشه ومختلف قواه الأمنية، وتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات والمخاطر، وتجريم تمزيق النسيج المجتمعي مع وجوب تحمل الأعباء الوطنية، واستكمال المسار الديمقراطي بالنزاهة والشفافية والتعددية في الانتخابات، وتعميق التفكير الجماعي في مستقبل البلاد في ظل الصعوبات التي تفرضها الأزمات الدولية على الاقتصاد العالمي وتمس بالقدرة الشرائية بالنسبة إلى المواطنين، وتدارس مسعى تحقق رفاهية المجتمع وإسعاد المواطن”.

وافتقد اللقاء إلى جدول أعمال محدد، حيث اكتفت تسريبات بعض الأحزاب بالإشارة إلى الأوضاع الداخلية والإقليمية والجبهة الداخلية، الأمر الذي سمح بطرح مختلف الانشغالات المتراكمة لدى الطبقة الحزبية، خاصة في ظل سياسة الانغلاق وتهميش دور الأحزاب، والتوجه إلى شراكة مع المجتمع المدني.

وبدا خطاب بن قرينة مشبعا بشعارات المرحلة التي تسوّق لها السلطة والدوائر السياسية والإعلامية الدائرة في فلكها، حيث شدد على ما أسماه بـ”ضرورة التمسك بالاستقرار والاستمرارية في بناء الجزائر الجديدة التي نادى بها الحراك المبارك الأصيل، وكرسها الدستور في ديباجته المدسترة بالشكل الذي يكرس الاستقرار المؤسسي ويعطي الوقت الكافي لتنفيذ التعهدات والطموحات والبرامج”.

وعلى عكس الحليف الجديد للسلطة، ذهبت قوى سياسية أخرى إلى طرح قضايا وملفات آنية، بما فيها ضرورة عدم الاكتفاء في المشاورات السياسية بالأحزاب الممثلة في المجالس، وفتح المجال أمام أحزاب وقوى أخرى لم تسمح لها الظروف والأوضاع بالمشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، أو أنها قيد التأسيس، لاسيما وأن الإدارة مازالت تمارس التماطل والتسويف في الترخيص لتأسيس الأحزاب السياسية، رغم اكتفاء الدستور بالتصريح فقط.

وعلى النقيض من التسريبات التي تحدثت مؤخرا عن حل المجالس المحلية (البلدية والولائية) وتنظيم انتخابات محلية مبكرة، لم ينقل الحاضرون في اللقاء أي مقترح أو إشارة من رئيس الجمهورية حول المسألة، ولو أنها كانت محل مطالبة سياسية بدعوى أن إنشاء محافظات جديدة يستدعي استحداث مجالس لها منتخبة ومحلية.

وشددت قوى أخرى على ضرورة فتح المجال السياسي والإعلامي في البلاد، ورفع احتكار السلطة لوسائل الإعلام الحكومية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين لم تعترف بهم السلطة إلى حد الآن، وإعادة النظر في ملفات من باتوا يعرفون بـ”ضحايا قانون المضاربة”.

وأكد رئيس حزب جيل جديد جيلالي سفيان على أنه “رغم مرور 35 عامًا على التعددية الحزبية، لا تزال الممارسة السياسية التعددية في بلادنا بحاجة إلى مرافقة السلطات العمومية.. إن مثل هذا الفضاء للنقاش، إذا تم تعزيزه كأداة للتبادل والتشاور، لا يمكن إلا أن يبشر بتحسن في المناخ السياسي لصالح الأمة”.

وأضاف “مجتمعنا يشهد تغيرات عميقة جداً تؤدي بشكل مباشر إلى توترات بين مكوناته المختلفة. إنها لحظة حاسمة يجب فيها إشراك السلطات العمومية للمساعدة في تحقيق التنمية من أجل تهيئة الظروف لتعزيز التماسك الوطني والتكيف الفعال لمجتمعنا مع العالم الجديد الذي هو بصدد البروز، والذي سيفرض نفسه على الجميع”، مردفا “في هذه المرحلة، لا بد من تقييم دور الأحزاب السياسية وإدماجها في خدمة تنظيم المجتمع. ولذلك فهي تحتاج إلى قنوات مختلفة للتعبير تكون مُكتسبة بموجب القانون. ومع ذلك، فإن أي محاولة لبسط الأحادية من خلال الإكراه ستخلق ردة فعل من عدم الثقة بين المواطنين، وإذا تم تقليص هوامش حرية التعبير، فعندها يمكن أن يصبح التعبير والكلام تآمرية تخريبية”.

ولفت إلى أن حزبه “يأمل في أن يتم فتح باب النقاش العمومي على نطاق واسع، بما يسمح بمواجهة الأفكار والمشاريع في وسائل الإعلام الوطنية من أجل تعزيز الروابط بين المواطنين والطبقة السياسية، سواء في السلطة أو في المعارضة”.

عن موقع جريدة “العرب” بتصرف

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar