عملا بالتوجيهات الملكية السامية.. الاهتمام بالرياضة المدرسية لتعزيز الإشعاع الوطني

ما زالت الرياضة المدرسية بالمغرب، وستبقى، رافدا مهما لاكتشاف وبناء المواهب في مختلف الألعاب الرياضية، باعتبارها جزء لا يتجزأ من المنظومة الرياضية الوطنية، وحلقة لا محيد عنها للنهوض بالقطاع التربوي. وهكذا، بات هذا القطاع يساهم في تكوين جيل رياضي يجمع بين المسار الرياضي والتكوين العلمي الأكاديمي، مما يساعد حتما في تعزيز إشعاع الرياضة الوطنية وإعطائها زخما أوسع.

وبالنظر إلى الطفرة الكبيرة التي تعرفها المملكة في مختلف الرياضات، فإن من شأن الاهتمام بالرياضة المدرسية فتح الباب على مصراعيه أمام المواهب المستقبلية لممارسة شغفها، مع الحرص في الآن ذاته على استكمال الدراسة والتحصيل العلمي، وتقليص هامش الهدر المدرسي الذي يحدث نتيجة لصعوبة المزاوجة بين الأمرين.

ويأتي هذا الاهتمام بالرياضة المدرسية عملا بالتوجيهات الملكية السامية المتضمنة في الرسالة الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية للرياضة التي عقدت بمدينة الصخيرات (24 و25 أكتوبر 2008)، والداعية للارتقاء بالممارسة الرياضية والرفع من مستواها وتحسين مردوديتها بغية خلق دينامية رياضية على صعيد جميع المؤسسات التعليمية، وعلى وجه الخصوص تطوير الرياضة المدرسية، وترسيخ المبادئ والأسس والقيم الرياضية لدى الناشئة.

وتوجت هذه العناية الخاصة من خلال القانون الإطار رقم 17-51 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين البحث العلمي، والذي يعنى بالارتقاء بالرياضة المدرسية، حيث يجسد هذا المشروع توجه وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة من المنظور الجديد للإصلاح والارتقاء بالرياضة المدرسية بتهيئة الظروف والشروط اللازمة لممارسة الأنشطة الرياضية المدرسية.

وتتمثل شروط الممارسة هاته في إحداث مسار “رياضة ودراسة”، وهو أحد الأوراش المهمة التي انطلق العمل بها انسجاما مع الاتفاقية الإطار للشراكة بين الوزارة الوصية ووزارة الشباب والرياضة الموقعة أمام أنظار صاحب الجلالة الملك محمد السادس بتاريخ 17 شتنبر 2018، والمتعلقة بإحداث مسارات ومسالك “رياضة ودراسة” ،والهادفة إلى تكوين المتعلمات والمتعلمين الموهوبين رياضيا ،تكوينا مندمجا ومتوازنا يمكنهم من تطوير مهاراتهم الرياضية وتنمية مكتسباتهم المعرفية والعلمية من خلال المزاوجة بين التكوين الرياضي والتحصيل الدراسي.

كما يهدف إحداث مسارات ومسالك “رياضة ودراسة” إلى توفير بنية دراسية خاصة برياضة ودراسة تمكن المنخرطين في المشروع من الاستفادة من الزمن الكافي للتمارين الرياضية، دون أن يؤثر ذلك على مسارهم الدراسي ويمنحهم فرصا للتألق على المستويين الأكاديمي والرياضي من خلال المزاوجة بينهما.

وفي إطار الانفتاح الذي تنتهجه الوزارة على مختلف الفاعلين والمتدخلين في الشأن الرياضي بغية توسيع الشراكات ،من خلال تمتين أواصر التعاون وتسطير برامج إستراتيجية ذات أهداف استشرافية تهم جميع مجالات التعاون المشتركة من أجل الارتقاء بالرياضة المدرسية والوطنية، تم عقد سلسلة من اللقاءات والاجتماعات مع ممثلي مجموعة من الجامعات والهيئات الرياضية الوطنية، توجت بتوقيع مجموعة من اتفاقيات الشراكة مؤخرا مع عدد من الجامعات الرياضية.

وتروم هذه الاتفاقيات، تثمين التعاون للارتقاء بممارسة الرياضات المعنية بهذه الشراكات محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا ودوليا، واكتشاف المتعلمات والمتعلمين الموهوبين، وذلك عبر تنظيم منافسات رياضية وفق برنامج محدد، فضلا عن تعميم ممارسة الرياضات المعنية ما أمكن بالمؤسسات التعليمية العمومية والخصوصية.

كما من شأن هذه الاتفاقيات المساهمة في إنجاز مشاريع مشتركة تهم تطوير الرياضة المدرسية وتبادل الخبرات والتجارب في مجال التحكيم والتدريب والتدبير وفي مجالات أخرى، وأيضا الاستفادة من المرافق والفضاءات الرياضية والإدارية والتربوية المتوفرة لدى الأطراف المعنية.

وفي إطار الدينامية التي خلقتها هذه الجهود، تم مؤخرا تنظيم مجموعة من المنافسات في مختلف الأصناف الرياضية غطت مختلف جهات المملكة، شارك فيها تلاميذ وتلميذات، فضلا عن مشاركة العناصر الوطنية في التظاهرات الرياضية بالخارج.

وهكذا، فقد أحرزت عناصر المنتخب الوطني المغربي المدرسي للعدو الريفي مراتب متقدمة في بطولة العالم المدرسية لهذه الرياضة التي نظمت من 10 إلى 15 ماي الجاري في كينيا.

كما تنعكس هذه الدينامية أيضا من خلال، على الخصوص، تنظيم البطولتين الوطنيتين المدرسيتين لكرة السلة وفي رياضة الغولف، لأقل من 18 سنة، التي احتضنتهما يومي 11 و12 ماي الجاري، على التوالي، القاعة المغطاة المغرب العربي بالقنيطرة، ومسالك النادي الملكي للغولف در السلام بالرباط، علاوة على المشاركة المكثفة التي عرفتها البطولة المدرسية لألعاب القوى والبطولة الوطنية المدرسية للتلاميذ في وضعية إعاقة برسم الموسم الدراسي 2024-2023، التي احتضنهما المركب الرياضي سيدي يوسف بنعلي بمراكش يوم 18 ماي الجاري.

وفي هذا الصدد، أكدد مدير الرياضة المدرسية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عبد السلام ميلي، أن مسالك ومسارات رياضة ودراسة عرفت تطورا على المستوى الكمي والكيفي، مبرزا أن عدد المستفيدين بلغ 7195 (منهم 2223 من الإناث)، في حين كان العدد عند إطلاق البرنامج هو 267 (منهم 90 من الإناث).

وقال ميلي، إن هذا المشروع عرف تتبعا من طرف الوزارة على مستوى الإرساء والتحصيل المدرسي والرياضي، مسجلا أن الهدف من البرنامج هو تمكين التلاميذ الرياضيين الموهوبين من ممارسة التداريب الرياضية العالية المستوى دون أن يؤثر ذلك على مسارهم الدراسي.

ولبلوغ هذا الهدف، يستطرد المسؤول الوزاري، تم اعتماد جدولة زمنية مكيفة تراعي خصوصيات الدراسة والتأطير الرياضي، موضحا أن الفترات الصباحية تخصص للدراسة والفترات المسائية للتكوين الرياضي، وذلك بالنظر لما يواجهه عدد كبير من التلاميذ الرياضيين المغاربة المنتمين للأندية الرياضية من صعوبة كبيرة في التوفيق بين ما تقتضيه التداريب الرياضية من جهد ووقت وما تتطلبه الدراسة من استعداد وحضور وتحضير مستمر ومتواصل.

وفي معرض حديثه عن المستجدات التي يعرفها هذا المسلك، وخصوصا الطلب المتزايد من طرف النوادي الرياضية والتلاميذ، أشار السيد ميلي إلى أنه تم إحداث وتوسيع مسارات ومسالك “رياضة ودراسة” من أجل الارتقاء برياضة المستوى العالي، وإرساء هذه المسالك في مدارس الفرصة الثانية من أجل الاندماج الاجتماعي والرياضي.

يشار إلى أن الرياضة المدرسية دشنت مسارها بإحداث اللجنة المركزية الجامعية والمدرسية للتربية البدنية والرياضة سنة 1929، ثم خلق لجنة الرياضة المدرسية والجامعية سنة 1959، وبعدها المفتشية العامة للتربية البدنية والرياضة المدرسية في السنة ذاتها، بالإضافة إلى ذلك تم تأسيس قسم التربية البدنية والرياضة المدرسية في 1973، ومصلحة التربية البدنية والرياضة المدرسية سنة 1975.

وفي سنة 1986 أنشأت الجمعية المغربية للرياضة المدرسية، لتأتي بعدها مديرية التربية البدنية للرياضة والصحة سنة 1994، والجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية في 28 ماي 1996، ثم مديرية الرياضة المدرسية سنة 1998، والتي أصبحت فيما بعد مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية سنة 2002.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar