علق صديق قديم: انت متفائل

 ردي انني لست متفائلا ولا متشائما. انا بينهما : متشائلا (استعيرها من اميل حبيبي).

في هذا الوقت ينصب اهتمامي اكثر على القرارات التي تتخذها الدولة لحماية حياة المواطنين وتجنيب من هم في وضعية هشاشة تداعيات هذه القرارات الضرورية، وايضا لدرء بعض الاخطار التي ترتسم في الافق اقتصاديا واجتماعيا.

ساكون مجنونا او اميا في كل شئ، وليس في السياسة فقط، لوانني ملت الى العنترية الثورية التي تغري بعض الصادقين، الذين اقدر صدقهم وان اختلفت معهم، وايضا بعض تجار الشعار الذين يعرف الجميع انهم يخافون على ريع المجتمع المدني المسكوت عنه، ولو اني لم اخذ بعين الاعتبار ان الدولة، اي دولة اليوم، تجرب وتعمل على تحويل الخطر le danger الداهم الى مخاطرة risque عبراتخاذ قرارات تتحمل مسؤوليتها (استحضر مفاهيم من نظرية المنظومات la théorie des organisations وسوسيولوجيا المخاطر- بلا مرجعيات يتحول التحليل الى خبط عشواء)، والقرارت المتخذة كانت في عمومها سليمة، وان واجهتها صعوبات لدى التنفيذ بسبب الضغط الزمني وصعوبة تفعيل عدد من الاليات غير المعتادة وثقافة المجتمع، ولو اني اخيرا تغاضيت عن حقيقة ان الدولة المغربية ابانت عن كفاء ة واداء لايمكن توفرهما الا في الدول المنظمة والحديثة، وقد اضيف الى ذلك، رغم مايمكن ان يثيره من جدال معقول ومقبول، كونها تستند الى عمق تاريخي (استعير هنا ايضا من عالم الاجتماع العربي الكبير انور عبد المالك مفهومه la profondeur du champ historique ).

وبعد الوباء، اتمنى الا نصل الى مرحلة الجائحة والا ذهب كل ما اقوله ادراج الرياح، هناك سيناريوهات ينطلق كل منها من فرضية او فرضيات يصعب في الوقت الراهن تاكيدها او نفيها، لان الامر يتطلب اولا التوفر على مفاهيم تطابق الوضع الذي سينشا داخليا وعالميا، اذ ستكون البشرية جمعاء، ومن ينتجون الافكار والسيناريهات والاستراتيجيات والسياسات امام برادغمات جديدة، وكل براديغم يستدعي منظومة من المفاهيم كما تعلمنا الابستمولوجيا، مع مراعاة انه فيما يتعلق بالمجتمعات والسياسة ليست هناك قطائع.

الفرضيات التي تروج كسيناريوهات محتملة تتم باعتماد منهج توقعي، عندما تصدر عمن يمتلك المعرفة، والحال ان التوقع يستحضر الماضي والعلاقات السببية، بينما العالم يعيش حالة غير مسبوقة من عدم اليقين او الغموض تجعل كل توقع اشبه بالرجم بالغيبَ، وحتى منهج الارتباط / الالتقاءla méthode de corrélation الذي لا يقوم على السببية لايسعف الان والى ان تنسحب الغيوم والغمة.

ما بعد كورونا ستكون هناك معاناة بكل تاكيد، لان كلفة التصدي لها ستكون ثقيلة جدا، وستكون هناك محاولات عندنا او عند الاخرين لفرض نماذج سلطوية، ومحاولات لفرض نماذج اقتصادية اكثر توحشا، وستكون هناك محاولات للابقاء على ما كان كما كان بدون تغيير او اصلاح، لكن يمكن ايضا ان تكون هناك فرص جديدة للانفتاح على مستقبل يبنى فيه الاقتصاد بشكل مغاير وتتقلص فيه الفوارق الطبقية وتصبح فيه الدولة ذات توجهات تخدم العدالة الاجتماعية والمجالية، وقد تتطور ادوات دولة الرعاية باستعمال ادوات غير مسبوقة (توفير دخل لكل المواطنين الذين لايوفر لهم السوق امكانية الاندماج مثلا، وهي فكرة اشتراكية حرفها صندوق النقد الدولي عن وجهتها واختزلها اختزالا فجا مند تسعينات القرن الماضي)، فالصحة العمومية ستفرض نفسها في الصدارة ومعها التغطية الصحية الشاملة والمتساوية بين كل المواطنين حتى في البلدان الراسخة في الليبرالية، وهذا على سبيل المثال فقط.

كل شئ سيبقى رهينا بوعي الشعوب ونخبها ومنظماتها المختلفة، ومن بين هذه النخب تلك التي تتولى تسيير امور الدولة الان، وبمدى تقديرها للتغييرات التي سيحدثها الوباء بعد رحيله عنا الى غير رجعة (الما والشطابة حتى لقاع لبحر)، فكل تصرف محافظ او محكوم بحسابات ضيقة سيكون ثمنه باهضا، اسوا بكثير من ثمن محاربة كورونا بكثير، وستكون خطورته اسوا من الوباء، ولا اظن ان عاقلا في هذا البلد سيستهين غذا بهذه العلاقة الجديدة التي نشات بين الدولة والمجتمع، وان وجد فيجب ان تتصرف معه الدولة العاقلة بالطرق المناسبة. نحن في لحظة مفصلية تستدعي التفكير والتصرف بمسؤولية…

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar