اللامركزية طريق لتأكيد الديمقراطية عبر “شبه حكومات” جهوية

اللامركزية التي تبناها المغرب ليست ترفا إداريا ولكن ضرورة حتمتها التطورات التي يعرفها المغرب، وهي محاولة للتجاوب المستمر مع مطالب وحاجيات المواطنين، بل واستباقها بتقديم أجوبة محلية وفعالة.

 فاللامركزية جزء من التطور الديمقراطي لأنها تعتمد أسلوب التخفيف على المركز وبالتالي تسريع وتيرة اتخاذ القرارات، التي تعاني غالبا من بيروقراطية المركز.

لهذه الغاية اتخذ المغرب قرارا بالقطع مع مركزية الإدارة، وشروعا في تنفيذها عمليا، قدم رئيس الحكومة ووزير الداخلية، أمام جلالة الملك عرضا حول التوجهات العامة لسياسة الدولة في مجال اللا تمركز الإداري.

اللامركزية ليست عنوانا لقواعد إدارية ولكنها علاقة حاكمة بين مختلف مكونات الإدارة المركزية واللاممركزة، حتى تكون فعالة ومنسجمة. ولا يمكن تنفيذ السياسات العمومية دون تحديد صلاحيات الإدارة على مستوى الجهة والإقليم، بمعنى أن تصبح فيه الجهات شبه حكومات محلية يمثل فيها الوالي السلطة بصلاحيات واسعة في الحسم في العديد من القرارات بدل الانتظار طويلا حتى يتوصل بالقرارات من المصالح المركزية.

اللامركزية الجديدة كما سيتم اعتمادها، ستمنح الوالي صلاحيات ينتقل من خلالها من رجل السلطة الذي يتلقى التعليمات من المركز، إلى منسق للمصالح الوزارية الخارجية، بما يضمن تنشيط عمل هذه المصالح، والتنسيق والالتقائية والمتابعة وتنفيذ المشاريع العمومية المبرمجة على مستوى الجهة. ومن خلال اللا تمركز الإداري ستصبح لدى ممثلي الوزارات بالجهة سلطات تقريرية إذا لزم الأمر دون انتظار ما تجود به الإدارة المركزية.

وكان لزاما الدخول إلى زمن اللاتمركز الإداري انسجاما مع إقرار الجهوية المتقدمة، ودون قوانين متقدمة تضبط الإدارة لن تستطيع هذه الأخيرة مواكبة الجهوية الموسعة، التي تبناها المغرب، والتي تروم دعم الجماعات الترابية وتقوية قدراتها، وعقد الشراكات مع الفاعلين الجهويين قصد فعالية التتبع المحلي للمشاريع.

إن نقل الاختصاصات والوسائل من الإدارة المركزية إلى المصالح الخارجية للقطاعات الوزارية سيمكن من تفعيل الحكامة ووسائل محاربة الفساد الإداري، الذي يعاني منه المغرب، إلى درجة استحق معها نقدا ملكيا في خطاب العرش. وفي مرحلة انتقالية أولى سيتم نقل مجموعة من الصلاحيات والوسائل من المركز إلى المصالح اللاممركزة، وتجاوز التحفظ غير المبرر، من قبل بعض الإدارات المركزية في هذا الشأن.

لم يعد مقبولا أن يسير المغرب بجناحين. فمنذ فترة تم انتخاب مجالس الجهات، وفق المخطط الجهوي الجديد الذي أقره المغرب، وأصبحت الجهات الاثنى عشر تتوفر على صلاحيات واسعة في التسيير والتدبير. لكن مقابل الصلاحيات الواسعة للجهة ورئيسها بقيت يد الولاة مغلولة بارتباطها بالمصالح المركزية، وبالتالي يأتي مشروع اللاتمركز لاستكمال هذا الورش الكبير، الذي يمنح كل جهة فرصة لتدبير شؤونها بنفسها وحسب حاجياتها وقدراتها وإمكانياتها بتنسيق بين المصالح الوزارية لكن دون الحاجة إلى تأشير من المركز حيث يمكن أن يتأخر هذا الأخير في اتخاذ القرار الذي من شأنه أن يؤخر مصالح المواطنين وتتبع الاستثمارات.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar