تونس..اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة

تحل الذكرى الثانية عشرة لثورة الياسمين في 14 يناير الجاري وسط اضطرابات سياسية واقتصادية كبيرة تشهدها تونس.

فقد شهد عام 2022 سلسلة من الإجراءات اتخذها الرئيس قيس سعيد، وصفتها المعارضة بأنها ترسخ لمزيد من الديكتاتورية من خلال تجميع كل السلطات في يد الرئيس وهو ما يرفضه سعيد جملة وتفصيلا.

محطات 2022 السياسية

كان 2022 عاما لم تهدأ فيه الساحة السياسية التونسية، إذ شهدت محطات مفصلية في مسار الرئيس سعيد الذي بدأه منذ 25 يوليو 2021 بإقرار إجراءات استثنائية.

فمنذ مطلع العام، بدأ سعيد بوضع مؤسسات نظامه الجديد عبر تصفية الهيئات القديمة التي نصبت بمقتضى دستور 2014 واستحداث أخرى جديدة.

مراحل وضع مؤسسات النظام الجديد مرت عبر إجراء استشارة إلكترونية (استفتاء)، ثم حل المجلس الأعلى للقضاء وهيئة الانتخابات والبرلمان، فإحداث لجنة استشارية لصياغة الدستور.

كذلك شهد العام 2022، تنظيم حوار وطني ووضع قانون انتخابي جديد ودستور جديد، وانتهى بتنظيم انتخابات تشريعية في 17 ديسبمبر.

ورفضت أحزاب معارضة وهيئات قضائية وقوى سياسة والاتحاد العام للشغل تلك الإجراءات واعتبرتها تكريسا “للاستبداد وحكم الفرد المطلق”.

اضطرابات اقتصادية

محطات عدة شهدها الاقتصاد التونسي خلال عام 2022، في وقت يواجه فيه أزمة هي الأسوأ منذ استقلال البلاد في خمسينيات القرن الماضي.

أزمة زاد من وتيرتها عدم الاستقرار السياسي منذ اندلاع الثورة، التي أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، وتداعيات جائحة كورونا.

ومن أبرز تلك المحطات، المفاوضات مع صندوق النقد الدولي التي انطلقت في يوليو الماضي، من أجل منح تونس قرضا بحوالي 1.9 مليار دولار على مدى 4 سنوات.

وقد توجت المفاوضات باتفاق مبدئي، منتصف أكتوبر الماضي، وكان ملف البلاد على جدول أعمال الصندوق لشهر ديسمبر، إلا أنه وفي 14 من الشهر ذاته، قرر صندوق النقد الدولي إرجاء ملف تونس، إلى أجل غير مسمى.

وبلغ معدل النمو الاقتصادي في البلاد سنويا ما بين 2010 إلى 2020 حوالى 0,6%.

وبسبب الجائحة، حصل في العام 2020 انكماش بنسبة 8,8%، فضلا عن تأثر قطاع السياحة الذي كان يمثل 14% من الناتج الداخلي الخام والذي تضرر بشكل كبير.

وارتفعت نسبة البطالة إلى حوالى 18% بسبب تداعيات الجائحة ما غذى الاحتجاجات الاجتماعية في البلاد خلال الأشهر الماضية مع تواصل ارتفاع نسبة التضخم إلى نحو 10 % وتدهور القدرة الشرائية.

كما ارتفعت نسبة المديونية في تونس وتجاوزت 80%، وأصبحت تونس تقترض لسداد الديون ودفع أجور الموظفين.

ويعلل خبراء الوصول إلى هذا المستوى من التراجع إلى عدم الاستقرار الحكومي. فقد تعاقبت تسع حكومات على السلطة بسبب التجاذبات السياسية منذ ثورة 2011.

كما علقت آمال كبيرة على أن يتحرر الاقتصاد من الفساد ومن أيدي المقربين من السلطة كما كان عليه الحال في نظام بن علي، لكن ظل مجال الأعمال حكرا على عائلات نافذة.

احتجاجات مستمرة

وقبيل إحياء ذكرى الثورة، نجح مسؤولون في المعارضة في تونس مطلع هذا الأسبوع في تنظيم اجتماع عام ضد سياسة الرئيس سعيد في حي المنيهلة الشعبي قرب العاصمة، بعدما حاولت الشرطة منع التجمع، بحسب بيان ووسائل إعلام محلية.

وكان التكتل السياسي المعارض “جبهة الخلاص الوطني”، الذي يشارك فيه حزب النهضة ذو المرجعية الاسلامية، قد اختار تنظيم تجمع خارجي في حي المنيهلة الذي كان يسكن فيه قيس سعيد قبل انتقاله في خريف 2019 إلى قصر قرطاج بعد انتخابه رئيسا للبلاد.

وقال التكتل المعارض في بيان “على الرغم من محاولات السلطة السياسية منع اجتماع جبهة الخلاص الوطني بمنطقة المنيهلة، نجحت الجبهة في عقد اجتماع جماهيري وتبليغ رسالتها السياسية في مقاومة الانقلاب.”

وفي صور انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي، ظهر ناشطون مؤيدون لسعيد وهم يهتفون لأحمد نجيب الشابي، رئيس جبهة الخلاص، قائلين “ارحل ارحل” و”خائن”.

وتابع التكتل في بيانه “نستنكر الهجمة التي قام بها بضعة أنفار من ميلشيات قيس سعيد على الاجتماع واستعمالهم العنف المادي واللفظي ضد قيادات الجبهة ومناضليها، الأمر الذي بات يهدد بجدية حرية العمل السياسي والحق في حرية الاجتماع والتعبير”.

ودعا التكتل إلى “المشاركة القوية” في مسيرة مقررة في 14 يناير لإحياء ذكرى إسقاط بن علي.

وإلى جانب الانقسامات السياسية العميقة، تواجه تونس أزمة اقتصادية حادّة تنعكس في نقص المنتجات الأساسية مثل الحليب والأرز وتراجع حاد في القوة الشرائية للأسر بسبب التضخم الأعلى من 10% منذ ديسمبر.

وتشكو المحال التجارية الكبرى وصغار التجار من نقص الحليب والقهوة والسكر وزيت الطبخ، وحددت المتاجر الكبرى بعض المواد الأساسية ومنها العجين بعلبتين فقط.

لكن الرئيس التونسي قال: “منذ الستينيات لم ينقطع أي شيء، واليوم أصبحت المواد الأساسية مقطوعة، وهذا بفعل فاعل”.

يأتي هذا في وقت منعت السلطات التونسية الحزب الدستوري الحر من التظاهر، السبت 14 يناير، وسط العاصمة.

وقالت زعيمة الحزب، عبير موسي، في بيان إن القرار يهدف إلى إخراس صوت فئات من التونسيين الرافضين لعودة حكم الإخوان والمعترضة في الوقت نفسه على الحكم الفردي، على حد وصفها.

من جهتها، قالت جبهة الخلاص إن السلطات التونسية تتجه إلى منعها التظاهر في شارع الحبيب بورقيبة، وتحويل وقفتها إلى شارع فرعي.

ودعت قوى سياسية أخرى، من بينها ائتلاف من خمسة أحزاب يتقدمها التيار الديمقراطي، إلى التظاهر، السبت، من أجل مطالبة الرئيس التونسي، قيس سعيد، بالتنحي عن السلطة.

وكان الرئيس سعيد قال الجمعة الماضية، إن الأفعال التي يأتيها البعض ترتقي إلى مرتبة التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي، وفق تعبيره.

وأدلى سعيد بهذه التصريحات خلال لقائه وزيري العدل والداخلية، وبعد دعوات صريحة لتنحي الرئيس ودعوة مؤسسات الدولة لعدم الانصياع لأوامره صدرت عن قيادات سياسية معارضة.

مبادرات للحل

قال نقابيون في الاتحاد العام التونسي للشغل، كبرى المنظمات النقابية في تونس، إن المنظمة بصدد التشاور لإطلاق “مبادرة لإنقاذ” تونس من الفوضى، في ظل أزمة خانقة تشهدها البلاد.

وأفاد قياديون في المنظمة خلال مجلس جهوي بمدينة القيروان الأسبوع الماضي، بأن الاتحاد بدأ مشاورات مع هيئة المحامين و”الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان” لبلورة هذه المبادرة.

وتذكر هذه الخطوة بمبادرة “رباعي الحوار الوطني”، التي قادتها المنظمات نفسها مع اتحاد الأعراف، في ذروة الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد عام 2013، حيث نجحت المنظمات الأربع آنذاك في تجنيب البلاد الانزلاق إلى الفوضى بعد عامين فقط من أحداث الثورة، التي أطاحت حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في 2011، وذلك عبر اقتراح حكومة انتقالية غير متحزبة مهدت لانتخابات 2014، وقد فاز الرباعي في العام التالي بجائزة نوبل للسلام.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar