مهندس البسمة ببني ملال .. عطاء ووفاء ومبادرات خيرية تستحق التشجيع

نشر في: آخر تحديث:

من مدينة بني ملال كانت انطلاقتنا والى دوار افتيس جماعة انرگي كانت وجهتنا. الساعة تشير إلى العاشرة مساء من اليوم العاشر من شهر مارس 2023، من منزل صغير يضم أمتعتنا ومستلزمات رحلتنا، تحت ضوء مصباح أنار قلوبنا قبل إنارة ما حولنا، انطلقت رحلتنا تحت شعار “خير الناس أنفعهم للناس”، وفي داخلنا صدى يقول “سوف نحقق المستحي ، سوف نحقق المستحيل”..

واصلنا بتحدّ رحلتنا، فلا زمهرير يوقفنا ولا خطورة الطريق ترهبنا، مضينا قُدما نشاكس المنعرجات الملتوية منعطفين ومُرْتقين ذروتها، طوينا المسافات طي الصحائف، عيون لا تنام وأهداف ومخططات تكتب على جفوننا. وأخيرا بعد ثلاث ساعات ونصف وفي جوف الليل وظلمته توقفت العجلات عن الدوران، أدرك الكل حينها أننا في عمق جبال أفتيس.

استقبال أسطوري كان عنوان لقائنا، تحت ضوء القمر أفرغنا حافلاتنا وها هو أتى الصباح مع عيون لم تر النوم قط وافترشت الشمس قلب السماء وأدلت بجدائلها الذهبية خيوط أمل تثنت على زجاج نوافذنا. توزع الأعضاء في ورشات على غرار الصباغة والتزيين التي سهرت لجعل القسمين والسكنية بألوانها بابا لعالم آخر يشق فيه أطفال الدوار رحلتهم نحو تحقيق أحلامهم، فالقوام رسومات وألوان، تغليف للطاولات، إصلاح للنوافذ والمكاتب، تزويد للأقسام بمكتبات. ملصقات وفراشات حلقت في الأرجاء وأدخلت البهجة والسرور على قلوب أطفال المغرب المنسي الذين عبروا عن فرحتهم بقولهم “شكرا لكم لأنكم اصلحتوا لنا أقسامنا وأخيرا لن تسقط قطرات المطر والثلج على رؤوسنا وسيكون قسمنا هو دفؤنا ومنبع لأحلامنا وليس كومة حجر تحطمنا وتذكرنا بقساوة ايامنا ” .

أما ورشة التشجير وإصلاح الساحة، التي عرفت تشجير الساحة وتزيينها بشجيرات وأصباغ  بهية، إضافة إلى إصلاحات على المستوى الترفيهي من خلال إحداث لعبتي الأرجوحة والتوازن وإنشاء ملعب بمحيط المدرسة.

 كما تم توزيع، ولله الحمد، ما يقارب 206 علبة ملابس بمعدل ثلاث علب لكل أسرة لعلها تضفي دفئا غاب عنهم منذ زمان، وان نسينا فلن ننسى صرخة ذلك الطفل، وهو لم يتجاوز عمره بعد 5 سنوات،  قائلا بفرحة : “أمي ، أمي إنه حذاء لأجلي”.

فالصدى الذي كان بداخلنا  “سوف نحقق المستحيل” حطم جميع العراقيل،  فالمسجد أيضا كان له حظ وفير من التحسينات حتى أضحى جديد الأفرشة، وكثير المصاحف والكتب، ومنظم الرفوف والمكتبات، وجعلنا الآذان يرتفع حتى يصل إلى كل الأرجاء.

بالإضافة إلى قفة رمضان التي كانت بشعار “شوية من خيرك… عمر قفة غيرك”، حيث وزعنا ما يقارب 80 قفة غذائية تضم جميع الأساسيات للتخفيف من جوعهم ولو لأيام .

 كما نظم النادي أنشطة ترفيهية لإدخال الفرحة والبهجة على قلوب هؤلاء الأطفال، وشملت هذه الأنشطة الأناشيد والألعاب والبهلوان، بالإضافة إلى مسابقات وفقرات ثقافية وأداء أغنائي، مع توزيع جوائز تحفيزية .

ومن أجل ابتسامة الطفل الصغير حققنا المستحيل، من أجل تحسيسه انه طفل كأقرانه تم توزيع أكثر من 120 حقيبة مدرسية تضم جميع مستلزماتها. دموع ممزوجة بفرحة تعلوا محياهم وهتافات هنا وهناك “أمي، أبي إنها حقيبة … لقد استبدلنا قطعة البلاستيك بحقيبة … يا إلاهي انه حلم من أحلامي”!

واقع مؤلم محزن، فهي ابتسامة حزينة تغطيها أحلام بريئة ترنو لمستقبل مشرق وآمن، فمن هنا نبرق بالتحية لكل طفل منسي وكل طفلة منسية في أعالي المغرب المنسي، ففي يومكم نحن نقف معكم ندعمكم  بالكلمة ، بالفعالية وبالتضحية .

فعندما يصرخ القلم يكتب من دموع أطفال المغرب المنسي، أطفال ليسوا كباقي الأطفال، عذراً فماذا يساوي الحبر بجانب دموعكم، وماذا يساوي تدبيج المقالات وتنميق الكلمات وتزيين السطور والصفحات والتعبير عن الخواطر أمام معاناتكم، ولكن نحن هنا من أجلكم .

يومان كانا كفيلين للإدراك  بأننا عندما نعيش لذواتنا، تبدو الحياة قصيرة ضئيلة تبدأ من حيث نعي وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود، أما عندما نعيش لغيرنا، أي عندما نعيش لفكرة رسم الابتسامة على محيا كل من يلقانا، فإن الحياة تبدو طويلة وعميقة، تبدأ من حيث بدأت الإنسانية وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الأرض، إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة.

شكرا دوار “افتيس” على حفاوة الاستقبال، شكرا لكل من ساهم في هذا الانجاز، نتمنى أن نكون قد أدينا الأمانة وأوصلنا الرسالة.  ما يسعدنا حقا هو أن نكون سببا في ظهور ابتسامة على وجوه الأطفال، أن نتلقى دعوات نابعة من قلوب الكبار، هي حقا أكثر ما يبعث في روعنا مهجة الجد والعمل، وكأنها ترياق الحزن و الشجن.

مهندس البسمة عطاء ووفاء .

بقلم مريم العزري

اقرأ أيضاً: