أزمة تايوان وحرب أوكرانيا.. المغرب على الطريق الصحيح لتحقيق السيادة الصناعية

لا أحد اليوم يمكنه الاستغناء عن الهاتف الذكي وباقي الأجهزة الالكترونية التي أضحت ضرورية في عالم يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة، التي تُعد من أهم الركائز الأساسية للمجتمع في جميع المجالات، وبالتالي أصبح العصر الحالي هو عصر الثورة الرقمية والإلكترونية، وهو ما تنبه إليه المغرب من خلال تحيين استراتيجيته الصناعية في افق التحكم اكثر في سلاسل الإنتاج للحيلولة دون التأثر بانقطاع سلاسل التوريد بسبب الأوبئة كما وقع في ظل جائحة كورونا، أو الحروب والتوترات كما يقع اليوم مع الحرب الأوكرانية الروسية وكذا الازمة “التيوانية” والتوتر بين واشنطن وبكين…

إن الثورة التكنلوجية التي يعرفها العالم اليوم، تعتمد بشكل كبير على صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات، التي أصبحت عصب الحرب بين الأمم العظمى، وأضحت ترخي بظلالها على الاقتصاد العالمي وما لذلك من تبعات على الأوضاع في باقي أرجاء المعمور.

ولفهم التوتر الحالي بين الولايات المتحدة والصين، أكبر اقتصادين في العالم، لا يمكن الاكتفاء بالأسباب الجيوسياسية التقليدية المتعارف عليها. وإذا كانت أهمية تايوان تُحدد من وجهة نظر تاريخية، وفق شروط جيوسياسية، فإن تايوان، في الوقت الحالي، وكنتيجة لنموذجها الاقتصادي الناجح، أصبحت تشكل نقطة وصل مهمة في سلسلة التوريد العالمية للتكنولوجيا، مما أضاف ثقلا اقتصاديا على المعايير الجيوسياسية، ومن المرجح أن يزداد هذا الثقل مع احتدام المعركة من أجل التفوق التكنولوجي العالمي.

وفي الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من ضغوطات عديدة سواء باستمرار التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا، أو عدم قدرة الاقتصاد العالمي على استئناف نشاطه كما كان قبل جائحة كورونا، جاء تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان، ليضع اقتصاد العالم تحت مقصلة صناعة أشباه الموصلات التي تتربع تايوان على عرشها.

وتسيطر تايوان على 92 % من صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات في العالم. وتعتمد أغلب الصناعات الحديثة ذات التكنولوجيا العالية على الرقائق الإلكترونية، خاصة أجهزة الهواتف الذكية، والسيارات، والأجهزة الطبية وحتى الأسلحة المتطورة…

وتعدّ الشركات التايوانية اليوم من أبرز الموردين الرئيسيين لمجموعة واسعة من المنتجات على غرار عدسات الهواتف الذكية وشاشات عرض الورق الإلكتروني، ورقائق الحاسوب…

ومنذ أن بدأت جائحة كورونا في عام 2020، شهدت قطاعات صناعة السيارات والأجهزة التكنولوجية والإلكترونيات تأثرًا كبيراً بسبب نقص الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات. وعملت الولايات المتحدة على تقليل حصة الرقائق آسيوية المنشأ، عن طريق توطين صناعة الرقائق الإلكترونية داخل أراضيها.

وفي هذا الإطار، وافق الكونغرس الأميركي على قانون يهدف لتقديم دعم قيمته 52 مليار دولار للشركات المنصعة للرقائق الإلكترونية بهدف زيادة الإعتماد على الرقائق المصنعة بالولايات المتحدة، إذ تعتبر الإدارة الأميركية اعتماد البلاد على الرقائق المستوردة من الخارج أمرًا بالغ الخطورة.

ووعيا منه بأهمية سلاسل الانتاج وضرورة الانخراط فيها لأجل التحكم في شروط ومحددات السوق العالمية، عمل المغرب على تأهيل صناعته حيث قطع أشواطا كبيرة على درب تحقيق سيادته الصناعية، حيث يتوفر على إمكانيات ومؤهلات تنموية كبرى تستجيب للاحتياجات الجديدة الناشئة مثل تلك المتعلقة بالسيارة الكهربائية وشبكة الاتصالات من الجيل الخامس والأشياء الموصولة أو الصناعة 4.0…

وفي هذا الإطار، وكمثال على وعي المغرب بهذه التحديات، تم مؤخرا تدشين خط الإنتاج الجديد الخاص بالمكونات الإلكترونية لمجموعة “إس تي ميكرو إليكترونيكس”، على مستوى موقعها ببوسكورة.

ويتعلق الأمر، يتعلق بتوسعة مساحة الإنتاج، وإحداث خط إنتاجي جديد متخصص في تصنيع منتجات متطورة من “كربيد السليسيوم”( carbure de silicium) المستعملة في السيارات الكهربائية من طرف أبرز مصنعي السيارات العالميين. وسيسمح هذا الاستثمار بتأمين زيادة كبرى في القدرة الإنتاجية وإحداث مناصب شغل جديدة.

ويتعلق الأمر بإنجاز حقيقي بالنسبة للصناعة الإلكترونية الوطنية، إذ أن هذا الاستثمار الجديد لـ “إس تي ميكرو إليكترونيكس” بوسكورة، وهو ثاني أكبر موقع للمجموعة في العالم، يأتي في سياق عالمي يتسم بقلة هذا النوع من المكونات الإلكترونية الخاصة بالسيارات الكهربائية، مما يضطر مصنعي السيارات بالخصوص إلى تقليص وتيرة إنتاجهم.

وسيسمح هذا المشروع للمغرب بتعزيز مكانته في سلسلة قيمة قطاع السيارات كوجهة مفضلة للاستثمارات الدولية الهامة، ولا سيما في مجال التنقل الكهربائي الذي تتنافس فيه الدول الرائدة في مجال الصناعة الإلكترونية.

ومن خلال إنتاج مكونات إلكترونية تنافسية ذات جودة عالمية مصممة في معظمها بمهارات مغربية، فإن المغرب يقطع أشواطا كبيرة على درب تحقيق سيادته الصناعية.

خط الإنتاج هذا يُعد أحدث مثال على اتجاه الشركات الدولية، للنظر إلى المغرب كموقع جذب، من خلال استثمارات البنية التحتية الذكية في المملكة، التي أضحت رائدة قاريا ودوليا في مجال صناعة السيارات.

ومع افتتاح خط إنتاج الرقائق الإلكترونية، المخصَّص للسيارات الكهربائية، يضع المغرب نفسه كمركز لإنتاج المركبات الكهربائية، ومركز استراتيجي لتصدير أشباه الموصلات إلى أوروبا وباقي دول العالم.

إنتاج الرقائق الإلكترونية في المغرب، سيخفِّف النقص العالمي الحاد في رقائق السيارات، ما يساعد شركات صناعة السيارات الكهربائية، في الحفاظ على جداول إنتاجها في سوق السيارات الكهربائية الذي يعرف تقدما مستمرا.

والرقائق الإلكترونية، عبارة عن دائرة متكاملة (IC) مطبوعة على أشباه موصلات صغيرة جدًا، وتشكِّـل هذه الدوائر المتكاملة لأشباه الموصلات، المعروفة بـ «الرقائق»، المكوِّنات الأساسية لجميع الأجهزة الإلكترونية، لاسيما أن السيارة النموذجية المعاصرة تحتاج إلى أكثر من 1400 شريحة من أشباه الموصلات.

إن انتشار الجيل الخامس، الذي يتطلَّب أشباه موصلات من أحجام رقائق السيارات نفسها، أدى إلى جانب الاستخدام المتزايد للذكاء الاصطناعي، إلى زيادة الطلب على الرقائق الإلكترونية.

وتسببت أزمة الإمدادات العالمية للرقائق وجائحة كورونا، في تباطؤ كبير في إنتاج السيارات مؤخرا، وسلَّط النقص في هذه الرقائق، الضوء على الاعتماد الخطير لصناعة السيارات، على مصنعي أشباه الموصلات الآسيويين، ما دفع شركات صناعة السيارات، في الولايات المتحدة وأوروبا، إلى زيادة جهودهم، للعثور على مصادر بديلة للإمداد ومنها المغرب.

ويتفاقم ضغط الطلب على الرقائق، بسبب الإقبال المتزايد على السيارات الكهربائية، التي ستصبح وسيلة النقل المهيمن بحلول 2030، ويعتبر المغرب أحد الرواد في تصنيع هذا النوع من السيارات.

وتتطلَّب السيارات الكهربائية رقائق أكثر، كما تحتاج إلى عدد كبير من أشباه الموصلات، لأنظمة إدارة البطاريات الخاصة بها، لضمان السلامة، من خلال تنظيم قطار الطاقة الكهربائية، وكذلك تحسين كفاءة استخدام الطاقة، لشحن البطاريات واستخدامها.

المغرب، وبفضل استقراره وموقعه الاستراتيجي وموارده البشرية الكفأة والمأهلة وبنيته التحتية المتطورة، يعتبر احد البلدان التي ستلعب دورا مهما في المستقبل القريب في مجال التحكم في الرقائق الالكترونية واشباه الموصلات التي تعتبر عصب  التكنلوجية في عالم اليوم والغد…

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar