تحميل رواية “في إنتظار البرابرة” لـ كوتزي

تليكسبريس- خاص

تقدم هذه الرواية تصويرا رائعا ومدهشا لحروب مفتعلة ووهمية تقوم بها الدول والإمبراطوريات والإدارات الحكومية لإظهار القوة وإرهاب الشعوب، وتعرض أفكارا فلسفية عن الحياة وذهنية رجل المخابرات حامي الإمبراطورية، وتدمير حياة هانئة وسعيدة باسم شعارات كبرى عن الوطن.

 

 

ومؤلف الرواية هو ج. م. كوتزي من جنوب أفريقيا، حائز على جائزة نوبل للآداب، ويعمل مدرسا لعلوم اللغة والأدب في جامعة كيب تاون، وقد حاز على جائزة بوكرز مرتين، بالإضافة إلى جوائز رابطة كتاب الكومنولث للأدب المكتوب بالإنجليزية وCAN والجائزة الأدبية الأولى في جنوب أفريقيا.

 

الإمبراطورية وخلودها

 

ربما يكون من الصعب استيعاب الرواية في عرض يلخصها، فهي تتداخل فيها الأحداث والأحلام والأفكار والأزمنة على نحو يرهق كاتبا صحفيا يريد أن يعرض الرواية وليس مشغولا بنقدها بقدر استيعابها وتقديمها للقراء على نحو يعطيهم فكرة عنها أو يغنيهم عن قراءتها أو يشجعهم على ذلك.

 

هناك إمبراطورية يتحدث عنها الكاتب لعلها جنوب أفريقيا، وتنطبق في أوصافها وظروفها أيضا على الولايات المتحدة الأميركية، وغيرها من الدول التي يقسم سكانها بين مستوطنين (متحضرين) يملكون الحكم والسيطرة والسلاح والموارد والاستعلاء وبين فئات من السكان الأصليين يعملون في الرعي والصيد والبدو والفلاحين الفقراء البسطاء.

 

وتقوم في واحة على الحدود الممتدة أكثر من ألف ميل مدينة للمستوطنين هي آخر نقطة للدولة أو ما يسميها أهلها الحضارة لتبدأ بعدها صحارى وجبال يعيش فيها "البرابرة"، وهم السكان الأصليون من الصيادين، وبعض البدو الرعاة الذين يختلفون عن الصيادين والبرابرة، ولكنهم أيضا فئة ليست مرغوبة لدى الدولة (الحضارة).

 

ويعيش أهل المدينة حياة هادئة وسعيدة، ويتبادلون مع السكان الأصليين المنتوجات والخدمات، فهم يبيعون في المدينة الجلود والفراء والثمار والحيوانات التي يصيدونها أو يربونها، ويشترون الملابس والأغذية والسكر والشاي وسائر احتياجاتهم في الريف والبادية والجبال.

 

في رواية كوتزي تتفتق عبقرية "المكتب الثالث" والإمبراطورية عن إيجاد البرابرة وليس انتظار مجيئهم تحت رحمة الصدف، وإذا كان البرابرة ضرورة فلابد من وجودهم أو إيجادهم

ومن يسمون البرابرة هم في الحقيقة قوم هادئون ومسالمون، بل ويتعرضون غالبا للنصب والاحتيال من بعض أهل المدينة التي يمرون بها في المواسم فقط ثم يقضوا بقية السنة بين البادية والجبال والسهول وضفاف الأنهار والبحيرات متتبعين مواسم الرعي والصيد والطقس البارد والحار.

 

الرواية تجعلك تتذكر فورا قصيدة "في انتظار البرابرة" للشاعر سي.بي. كفافي والتي كتبها عام 1898 وتحمل نفس العنوان، ولم يشر المؤلف إلى القصيدة بالطبع، ولكنك تستدعيها إن كنت قرأتها من قبل على نحو تلقائي.

 

"يتجه سكان مدينة قديمة إلى بواباتها بقيادة إمبراطورهم، لانتظار وصول البرابرة الغزاة، ولكن البرابرة لم يظهروا، ماذا كان يمكن أن يحدث؟ وما الذي يمكن القيام به؟

لم كل هذا الذهول المفاجئ، وهذا الارتباك؟

كم أصبحت ملامح وجوه الناس حادة

لماذا تخلو الشوارع والتقاطعات من المارة بسرعة

وكل يذهب إلى بيته غارقا في التفكير

لأن الليل أرخى سدوله ولم يأت البرابرة

وبعض رجالنا الذين وصلوا من الحدود قالوا

لم يعد هناك برابرة بعد الآن

والآن ماذا سيحدث لنا من دون برابرة

كان أولئك الناس نوعا من الحل."

 

ولكن هنا في رواية كوتزي تتفتق عبقرية "المكتب الثالث" والإمبراطورية عن خلق البرابرة، وليس انتظار مجيئهم تحت رحمة الصدف، فإذا كان البرابرة ضرورة فلابد من وجودهم أو إيجادهم.

 

ألا يبدو ذلك أنه يفسر كثيرا مما يسمى حرب الإرهاب؟ ألا يمكن إعادة صياغة الرواية بواقعية وبدون ملكات أدبية تحت عنوان "في انتظار القاعدة"؟

 

القاضي والجنرال

 

 

تنسج الرواية على لسان قاض لا يكشف المؤلف عن اسمه برغم أنه محور الأحداث، وتبدو كما لو أنه يتحدث لنا عن تجربته وفلسفته وأحداثه، ويدير القاضي شؤون المدينة التي يعمل فيها منذ أكثر من 30 سنة، وينظم الحياة والإدارة في المدينة على نحو يضمن مصالح المستوطنين والأصليين من الصيادين والرعاة، ويسعى في خدمة المدينة وتطويرها وحمايتها، والعمل على الكشف عن آثارها، ودراسة تاريخها وتوثيقه، وهو عمل لا يبدو أنه يشغل أحدا في الإمبراطورية، وربما يشغل إدارتها على نحو يهدف إلى طمس التاريخ واحتقاره وتجاهله، وجعله يبدو قسرا وقد ابتدأ بلحظة قدوم المستوطنين.

 

وبعد عقود طويلة تأسست فيها المدينة وقامت بعيدا عن مركز الإمبراطورية يأتي إليها العميد "غول" من "المكتب الثالث"، وهي تسمية نفهم من قراءة الرواية أنها تطلق على وكالة المخابرات في الإمبراطورية، ويجتمع بالقاضي في فندق المدينة.

 

يشغل القاضي بضيافة الضابط، ويحدثه عن الصيد والزراعة في المدينة ومحيطها باعتبارهما الموضوع الرئيس الذي يشغل أهل المدينة والسكان، سواء للمعيشة أو الهواية أو التجارة، ولكن العميد غول يبدو مشغولا وغير مهتم بحديث القاضي، وكأنه لا يستمع إليه، ويظهر احتقارا مكتوما للقاضي ومغلقا بقدر واه ومزيف من الاحترام والمجاملة.

 

يخبر العميد غول القاضي بأنه يريد أن يذهب في حملة لملاحقة البرابرة في مناطقهم وتأديبهم، واعتقال المتمردين منهم الذين يسيئون إلى الإمبراطورية. تعتقل قوة الطوارئ بقيادة غول رجلا كهلا وابنه الصبي من السكان الأصليين، ولكن لا يوجد سجن في المدينة، ولا يكاد توجد جرائم كبيرة، ويتعامل القاضي عادة مع الجنح والمخالفات بعقوبات من قبيل العمل التطوعي.

 

ولكن غول يعتقد أن المعتقلين خطران وأنهما من المتآمرين على نظام الإمبراطورية، ويجب أن يعد لهما سجن وحراسة لئلا يهربا، فيوضعا في مستودع للحبوب تحرسه ثكنة عسكرية.

 

يحاول القاضي أن يفهم المشكلة من الرجل المعتقل، ويفهمه أنه متهم بتنظيم غارات على أهالي المدينة وممتلكاتهم، ولكن الرجل يؤكد أنه لا يعلم شيئا عن الغارة، وقد اعتقل في طريقه إلى المدينة لمعالجة ابنه الصبي المريض.

 

يحاول القاضي أن يفهم المسألة في حديثه مع العميد غول، فالعجوز وابنه المريض لا يقدران على الغارة، ولا يصلحان في ظروفهما أن يكونا جزءا من فريق أو عصابة للإغارة، ولا يبدو أن لشخصين بسيطين مثلهما فائدة في التحقيق أو جمع المعلومات. ولكن غول الصامت غالبا يقول: يجب أن أستجوبهما.

 

ويتعرض العجوز في الليل لتعذيب وحشي حتى يموت تحته، ويقدم الحارس إفادة للقاضي وفق تعليمات غول بأنه هاجم المحقق وحاول قتله، هذا برغم أن يديه كانتا موثقتين، وهي الملاحظة التي نسي الحارس علاقتها بسؤال آخر عن كيفية مهاجمة عجوز مقيد لضابط شاب قوي ومدرب.

 

حروب البرابرة

 

 

”ما جري في الحملة العسكرية على مناطق البرابرة لم يكن عملية متابعة لعنف وإرهاب، ولكنه صناعة واعية للأعداء والكراهية، وما كان يبدو من عمليات قتل وسرقة لم يكن على أيدي البرابرة ولكن على يد جماعات الجنرال ”

 

يقود العميد غول حملة عسكرية إلى مناطق "البرابرة" رافضا نصائح القاضي بعدم ضرورة الحملة، فالسكان الأصليون ليسوا إرهابيين، ويمكن استيعابهم والسيطرة على المشاكل التي يسببونها بدون استعدائهم أو استفزازهم، كما أن المنطقة التي سيتوجه إليها الجنود منطقة مجهولة وصعبة، وبعضها لم يصلها أحد من المستوطنين من قبل.

 

ولكن غول يصر على رأيه ويمضي بالحملة، ويعود بعد عدة أسابيع من الحملة وقد جلب عددا كبيرا من السكان الأصليين. أعداد كبيرة من الرجال والنساء والأطفال لا يعلمون شيئا عن سبب مجيئهم، يحشرون في ساحات الثكنات، وتكون عمليات إيوائهم وحراستهم مرهقة جدا، وتؤدي عاداتهم في الطعام وقضاء الحاجة إلى فوضى عارمة في المدينة.

 

ويقوم غول وأتباعه بعمليات تحقيق واسعة مصحوبة بتعذيب وحشي واغتصاب للنساء، ويموت الأطفال بسبب الإهمال، ويتحول السكان الأصليون إلى أعداء بالفعل، وهنا فقط يكتشف القاضي اللعبة!

 

فما كان يجري لم يكن عملية متابعة لعنف وإرهاب، ولكنه صناعة واعية للأعداء والكراهية، وما كان يبدو من عمليات قتل للموظفين وسرقة واعتداء على الأملاك لم يكن على أيدي البرابرة الذين لم يرهم أحد، ولكن على يد جماعات الجنرال غول.

 

وتنتهي الحملة العسكرية ويعود الجنرال إلى العاصمة، ويبقى عدد كبير من البرابرة الذين أطلق سراحهم في المدينة، ويتحولون إلى مشردين ومتسولين، والمحظوظون منهم يعملون في الخدمة والدعارة.

 

واحدة من الفتيات المتبقيات في المدينة تعرضت للاغتصاب وقتل والدها وعذبت تعذيبا شديدا جعلها غير قادرة على المشي إلا بصعوبة، يشغلها القاضي في خدمته ويمضي شهورا عدة في محاولة علاجها وإعادة تأهيلها، ولكنه يفشل فيقرر نقلها إلى أهلها.

 

يحتاج تنفيذ القرار إلى مغامرة صعبة تتضمن المسير أياما طويلة في الثلوج والصحاري والجبال، وعندما يعود القاضي إلى المدينة يعتقل بتهمة الخيانة والتواطؤ مع الأعداء.

 

ويجري تحقيق مع القاضي تستخدم فيه الأخشاب والأعمال الأثرية التي عثر عليها أثناء عمليات البحث والتنقيب وأدلة مادية على رسائل سرية متبادلة بين القاضي والبرابرة.

 

ويتعرض القاضي لتعذيب علني مهين يؤدي به إلى الجنون، ويتحول إلى متسول يمضي أيامه في الطرقات يتسول الطعام، ويقدم خدمات بسيطة في المنازل مقابل إطعامه. ويعيد غول حملته في العام التالي. وهيمن الجنود على المدينة ونهبوا متاجرها، وأجبروا الأهالي على خدمتهم والترفيه عنهم.

 

ولكن البرابرة كانوا هذه المرة مستعدين ولم يباغتوا كما حدث في العام الماضي، لقد استدرجوا الجنود بدون قتال إلى الصحاري وغابات القصب والجبال البعيدة وتركوهم أسرى الجوع والخوف والتيه، وتشتت الحملة ولم يعد معظم أفرادها. ويجعل فشل الحملة من تبقى من الجنود عرضة لغضب الأهالي، وبدون أن يقول لنا المؤلف، نشعر أن غول هو الآخر تحول إلى مجنون متشرد ومتسول.

 

شيء لعله إصلاح

في الفصل السادس والأخير من الرواية (الفصول تحمل أرقاما متسلسلة بلا عناوين) تظهر المدينة بمن تبقى من أهاليها بعد هجرة معظم الناس منها، وربما يشاركهم تجمع للصيادين بجوار المدينة، ويعمل الأهالي بقيادة القاضي في تنظيم أنفسهم وجمع المحاصيل، وإدارة الري والتموين استعدادا للشتاء.

 

ويعاد بناء سور المدينة وتنصب خوذ الجنود على الرماح، ويقوم الأطفال بتحريكها كل نصف ساعة لإيهام البرابرة أن الحامية، التي لم يتبق فيها سوى ثلاثة جنود يتجاهلهم الأهالي ويحتقرونهم، مازالت مدججة بالسلاح والجنود.

 

اكتشف القاضي أنه الشخص الأقل صلاحية لكتابة المذكرات, فاتجه إلى صيانة الشرائح الخشبية ودفنها في الصحراء لعل الناس يجدون فيها عندما يعثرون عليها شيئا آخر تركه خلفه

 

وحين يأتي الشتاء القارس البرودة والمحمل بالثلوج والعواصف يجلس القاضي مستعينا بحصته الضئيلة من الحطب إلى منضدته يحاول الكتابة، يعيد إصلاح صناديق المقتنيات الثقافية والأثرية التي كان يحتفظ بها، ويعيد دراسة الكتابات المنقوشة على شرائح الخشب.

 

يكتب: "لا أحد زار هذه الواحات مرة واحدة إلا ووقع في سحر الحياة هنا، وعشنا في زمن كل المواسم: الحصاد، وهجرة الطيور المائية، عشنا دون أن يفصل بيننا وبين النجوم شيء ما، كان بإمكاننا تقديم أي تنازل لو كنا قد عرفنا فقط ما هو، كي نواصل الحياة هنا. أردت أن أعيش خارج التاريخ، الذي تفرضه إمبراطورية على مواطنيها الخاسرين، لم أرغب قط للبرابرة أن يكون عليهم لزاما تحمل تاريخ إمبراطورية."

 

و"لكني أكتشف (يقول القاضي) أنني الشخص الأقل صلاحية لكتابة المذكرات، الحداد بصرخات غضبه وتوجعه أفضل مني، ولا تتجاوز استنتاجاتي عن عام مليء بالأحداث أكثر مما يستنتجه طفل.

 

ولكن عندما يتذوق البرابرة طعم الخبز الطازج، ومربى التوت والمشمش فإن أساليبنا هي التي سوف تستهويهم، ويكتشفون أنهم غير قادرين على العيش من دون مهارات رجالنا.

 

فأترك الكتابة وأعيد صيانة الشرائح الخشبية بطلائها بزيت بذور الكتان ولفها بقماش زيتي، سأدفنها مرة أخرى في الصحراء، فعندما يأتي الناس في يوم ما ويبحثون في الخرائب سوف يكونون أكثر استمتاعا بآثار الصحراء من أي شيء آخر أتركه خلفي".

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar