علاقة فرنسا بالمغرب بين مزايا التعاون الايجابي وتكلفة الهروب السلبي

لقد ظلت اوروبا تعتمد بصفة عامة على سياسة الكيل بالمكيالين تجاه دول الجنوب وما تزال المطالب الجديدة لهذه الدول تترجى تحقيق المساواة والتعامل بالمثل واحترام سيادتها، والمغرب وصل في علاقته مع الاتحاد الأوربي الى مرحلة مراجعة السياسة التشاركية مع دول هذه القارة التي تربطه بها علاقة كانت شبه ايجابية، ولكنها لم تصل الى المستوى الذي يصون حقوقه ويراعي مصالحه العليا.

وعلى الرغم من وجود علاقات لم تكن ممكنة في الماضي، فان اوروبا لم تمنحه المكانة المطلوبة عكس ما قدمته الولايات المتحدة الامريكية لما اعترفت بمغربية الصحراء، فالبرلمان الاوروبي يصادق على الاتفاقيات التي تكلف ماليه الدول الاوروبية التي تتعلق في الغالب بالشراكات الأوربية، لكن اذا تعارضت مصالح دولة معينة مع مصالح الاتحاد فان البرلمان الاوروبي يلجا لأسلوب الاتهام من أجل الحفاظ على مصلحة الاتحاد وشراكاته المتنوعة، إلا أنه لم يعد يهتم بتناسبيه طموحات المغرب  مع طموحات بعض دول الاتحاد كفرنسا الشيء الذي دفع تيارات سياسيه مناوئة لإثارة  قضية حقوق الانسان في المغرب للتعبير عن التعارض الذي يحمل في طياته صراع المصالح، وارجاع العلاقات المغربية الاوروبية الى الوراء عبر مقايضة ملف الصحراء المغربية خصوصا اللوبي الذي يساند سياسة الرئيس الفرنسي و يعارض باسم فرنسا ويصوت لصالحمشروع اروبا الجديدة، واللجوء للمساومة باستصدار التوصيات كرد فعل ضد مصلحة ومواقف المغرب.

فكثيرة هي الدول الأوروبية التي لا تحترم حقوق الانسان ويتم اصدار قرارات او توصيات بشأنها، والغريب هو ان برلمان الاتحاد الاوروبي المكون من 27 دولة يلجاالى فبركة الاحداث وتوجيه الاتهامات، مما يبقى الأمر طبيعيا خصوصا عندما يغيب النقاش والحوار والتشاور حول الاتفاقيات وتفعيل مضامينها، أما من الناحية القانونيةفلا وجود للسلطة على الدول ولا يجوز باي حال من الاحوال التدخل في شؤونها الداخلية.

فالعلاقات الفرنسيةالمغربية تكون أحيانا عادية لكن سرعان ما تنقلب من داخل البرلمان الاوروبي الشيء الذي يبين على ان مصالح فرنسا مطوقة بازدواجية في المواقف والتناقض بحيث لا يمكن تفعيل الاستشارة داخل الاتحاد الاوروبي الا إذا كان هناك اتفاقبحكم بلقنته السياسيةالتي تعكس تعارض وجهات النظر وعدم تطابق القرارات مع المصالح الموحدة للاتحاد الاوروبي وهذا سيؤدي طبعا الى تفكيك هذا الاتحاد بسبب انقسام رأي الشعوب السياسي فيما بين الدول الأعضاء.

ان البرلمان الاوروبيبإصداره توصية تقضي بإدانة وضعية حقوق الانسان بالمغرب والاساءة الى سمعة واستقلالية السلطة القضائية، يكون قد تجاوز صلاحياته، ووقع في تناقض مع ما تم اعداده من تقارير تحت اشراف مؤسسات اوروبية من قبيل لجنه السفراء المكلفة بالسياسة الأمنية  حول تطور حقوق الانسانبالمغرب، والتي لم تعترف بالوضعية التي ذهبت اليها توصية البرلمان الأوربي، بل أكدت على التطور الملموس خصوصا بعد المصالحة التي عرفها المغرب وكذا استقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية تكريسا لمبدأ فصل السلط حسب المقتضيات الدستورية، إضافة الى أن اختصاصاته لا تسمح له بتقييم وضعيه حقوق الانسان داخل دولة خصوصا ذات السيادة سواء تعلق الأمربالسيادة القضائية او بحقوق الانسان، و أن صلاحيته تكمن في التصويت على ما تقدمه برلمانات دول الاتحاد، والاختصاص الأصلي يعود لبرلماناتها. وكسائر البرلمانات العالمية فان التشريعات التي تهم الاتحاد الاوروبي والتي ترتبط بقضايا تكلف ماليتها هي أهم اختصاص لهذا البرلمان، واستعمال أسماء لصحفيين بعيدا عن الاختصاص هونوع من التشويشباسم البرلمان الاوروبي الذي يتكون من 705 عضوا، والمصوتين على التوصية هم 356 عضوا فقط في برلمان الاتحاد،والغريب في الامر هو أن هؤلاء البرلمانيين الذين صوتوا عن جهل ولجهلهم أطوار المحاكمات الجارية أو التي استنفذت اجراءاتها في المغرب،مما يضفي علىهذه التقارير شبهة مسيسة ولا يمكن تفسير هذه التوصية الا بكونها دليل على أزمة التواصل بين الفكر او التفكير الاوروبي والتفكير المغربي وتصدع لعبة المصالح.

فالتوصية تبقى غير ملزمه للمغرب وتفتقر للأهمية لكونها خارج أي اتفاق إطارأوتفاهم، وتبقى خارج نطاق الشراكة،وتعتبر بمثابة وسيلةلمقايضة الغاز الجزائري مقابل المساسبمصالح المغرب الشيء الذي لم يتم تناوله في الاتفاقيات ولم يتم الإشارة اليه، مما يعني ان هناك يسار اسبانيمكون من 17 العضو في البرلمان الاوروبي صوتوا ضد هذه التوصيةوأكبر حزب في البرلمان الاوروبي، هو الحزب الشعبي الاوروبي الممثل ب 171 عضوا لم يصوت لصالح التوصية، وان الذين صوتوا لا يعرفون شيئا عن المغرب.

وتبين ان المصوتين هم فريق مساند لرئيس الجمهورية الفرنسيةتحت اسم اتحاد اوروبا الجديدة، وأن وزيره الخارجية الفرنسية لما زارت المغرب صرحت بان مبادرةالحكم الذاتي هي الحل الجدي والواقعي، وفي نفس الوقت نجد الفريق السياسي الذي يؤيد رئيس فرنسا الحالي يختلف مع وزيرة الخارجية كاثرين،وكأن فرنسا تعتمد على ازدواجية الخطاب في المؤسساتي، بحيث هناك قرارات ترضي رئيس الجمهورية وأخرىمرتبطة بتوجهاتها الحكومية.

وعليه فإنما يجب التوصل اليه عبر الاتفاق والتشاور والحوار لا يمكن الوصول اليه عبر اصدار قرارات مهينة أو توصيات مجحفة تعبر عن الحقد الشوفيني الاوروبي خصوصا المسؤولين الفرنسيين الذين لديهم تراكمات سلبيه في علاقتهممع المستعمرات.

فالتخلف بالمستوى الذي كان يعتقده الأوربيين من قبل قد انتهى،والانفصال الحقيقي الذي يعانيه المغرب هو ما قامت به فرنسا الاستعمارية لما فصلت الجزائر عن المغرب واقتطعتأراضي مغربية وضمتها لكيان لم يوجد الا في النصف الثاني من القرن العشرين دون ان يكون دولة على مرالتاريخ، وفرنسا اوجدت خطة ترتبط بفصل المغرب عن أرضه شرقا، وتكريس فكرة الانفصال لإبعاده عن حقوقه التاريخية والجغرافية ومحاصرته بانفصاليين، انفصال دولةفي إطار التقسيم الاستعماري وانفصال جبهة داخلية، بحيث تمفصل الدولةعن طريقاقتطاع اراضي مغربيةوضمها لدولة الجزائر، بينما انفصال البوليساريو الذي تم على عهد فرانكو يعتبر فقط بمثابة حصى في حذاء المغرب اقترن بالمخطط الفرنسي الاسباني الاستعماري والتكالب على سيادة المغرب، وبقيت المسؤولية ملقاة على عاتق الدول الراعية للتقسيم وتفتيت وحدة المغرب والمساس بوحدته وثرواته وسيادته،حيث بدأت القصة مع الأمير عبد القادر المغربي الأصل والذي دعمه السلطان مولاي عبد الرحمان لمواجهه الاحتلال الفرنسي في الجهة الشرقية من تراب المغرب، كما دعم سلاطين المغرب المقاومة الجزائرية بعده بكل الوسائل المادية والبشرية، مما دفع فرنسا الى الثأر من المغرب واقتطاع ترابه الشرقي كضريبة على دعمه للمقاومة، بل حولتفرنسا المقاوم  الأمير عبد القادر الى شخصية جزائرية لتكريس التقسيم ووضعت مشروعا جعلت منه الحجر الأساسي لدولة الجزائر التي لم تكون دولة عبر العصور.

ولقد عملت فرنسا على استهداف سيادة المغرب وضرب تاريخه بل وتقسيمه وجعله دولة قزم بدلا من الامبراطورية التي كانت على عهد المولى سليمان والمولى اسماعيل بحيث ان الدولة المغربية امتدت حتى السودان بمساحةمن حجم امبراطوريةجغرافية وسياسية، كما أن الصحراء الشرقية هي صحراء مغربيه الى حدود 1880 والطوارق الموجودون بالمغرب هم حجة انتمائهم التاريخي منذ امتداد المغرب التاريخي الى حدود مالي.

فالنظام السلطاني والدولة السلطانية كانتا متواجدين عبر التاريخ بحدود ليست هي الحدود المتعارف عليها اليوم، وتم انتزاع جزء مهم من تراب المغرب، علما ان الحق لا يسقط بالتقادم والتاريخ لا يغير الجغرافيا،بل لم تكون الجنسية معيارا لتحديد انتماء الشعوب ما عدا الانتماء الديني أو البيعة السلطانية.ومرد المساس بوحدة المغرب الى ضعف قدراتهفي القرن التاسع عشر سواء السياسيةأوالعسكرية، مما فرض عليه مخططات الرضوخ للحملة الاستعمارية وفرضت عليه اتفاقيات الاستسلام للأمر الواقع، الشيء الذي غير من حدوده وضعف وجوده على المستوى الدولي، لكونه لم يكن يتوفر على اسطول بحري وعسكري لحماية حدوده والدفاع عن نفسه ومواجهة الأخطار المختلفة في مقابل تفوق اروبا عسكريا.

ومغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، حيث ان الظروف تغيرت والوسائل تطورت ووضعية المغرب تحسنت على كل المستويات، بينما اوروبا ما تزال تعتمد سياسة الكيل بالمكيالين التي لم تعد تجدي نفعا بعدما وصل المغرب في تشخيص علاقته مع دول اوروبا الى مرحلة مراجعة السياسة التشاركية مع هذه الدول التي تربطه بها علاقةوإعادة النظر في الجوانب الإيجابية وفصل الجوانب السلبية التي لم تصل الى المستوى المطلوب.

إن مخطط استهداف المغرب عن طريق دفع الجزائر الى التصعيد بالوكالة، علما أن المشكل يرتبط في الأصل بتوجه فرنسا صانعة الفوضى في المنطقة المغاربية وعلى مستوى القارة الافريقية يتبين من خلال تركيبة النظام العسكري الجزائري الذي يفرض بالضرورة أن يكون رئيس الجمهورية من أصل مغربي، وذلك لتوظيف الخيانة تجاه الداخل وضمان العداء للمغرب، اضافة الى الحفاظ على التوتر بين مؤسسة الجيش ورئيس الجزائر المحاصر بعدائه للبلد الأصلي، والغاية هي تنفيذ تعليمات العسكر دون معارضة، ثم توفير مناخ لخدمة المصالح الفرنسية بشكل هادئ، وكل هذا يضمن استمرار الخلاف مع المغرب ومحاصرة وحدة المغرب العربي لكي لا تتمكن شعوبه من الديمقراطية والتنمية.

ان المغرب يراهن على التطور والانتقال الشامل، وتنويع الشركاء بعيدا عن رقعة الشطرنج الفرنسية المكرسة للتبعية، وتغلب على معادلات تحكمها في الأوضاع الداخلية للدولة أو المساس بمصالحه وسيادته، ولم يبقى أمام فرنسا الا خيارين اثنين: اما التراجع عن معاكسة طموحاته والاقرار بتبادل وتقابل المصالح وتصحيح الأخطاء والعدول عن المناورات المعاكسة لوحدته الترابية سيرا على خطى اسبانيا وألمانيا. واما ان تستمر في المجازفة بمصالحها أكثر واللعب على الحبلين وستفقد بذلك المصداقية ومواجهة المحاسبة بعد الطرد من كل دول افريقيا التي استعمرتها.

 

 

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar