من قلب ليبرفيل..نفاق خطاب ماكرون يفضح إنكسار النفوذ الفرنسي بإفريقيا

بعد محاولات متواصلة للهروب إلى الأمام، الرئيس الفرنسي يصطدم بجدار الواقع، ويقر بإندحار النفوذ الكولونيالي لبلاده على اعتاب القارة الإفريقية، معترفا أن سياسة الآذان الصماء لم تعد تجدي نفعا في مواجهة الأصوات المتصاعدة لأبناء القارة، التي تطالب بإنهاء سياسة الغطرسة والتسلط اللذان تمارسهما باريس على شعوب ومقدرات القارة الخضراء.
ومن قلب العاصمة الغابونية ليبرفيل، إعترف ماكرون أمس الخميس بعظمة لسانه، على أن عصر “فرنسا الإفريقية” قد انتهى، مردفا أن بلاده صارت الآن “محاورا محايدا” في القارة. وأنه أحيانًا يتكون لديه شعور بأن العقليات لا تتطور بوتيرة تطور فرنسا خصوصا عندما يقرأ ويسمع ويرى أن النوايا السيئة ماتزال تنسب لفرنسا.
وبالرغم من أن ماكرون حاول أن يظهر صورة بلاده بشكل إيجابي، في علاقاتها بقضايا إفريقيا في محاولة مفضوحة منه لتهدئة الإحتقان المتصاعد في صفوف الشعب الغابوني، الرافض لهذه الزيارة، إلا أن الكلمات قد خانته، بعد أن أكد بدون أن يدري أن بلاده تحشر أنفها في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية، وهو ما اتضح جليا حينما قال، أنه ما زال يتوقع تنامي رفض التواجد الفرنسي من قبل شعوب القارة، وأن بلاده “محاور محايد يتحدث إلى الجميع ولا يتمثل دوره في التدخل في المنازعات السياسية الداخلية” وهي الكلمات التي تؤكد أن فرنسا تعترف بأن الأفارقة يعتبرونها عاملا مزعزعا للإستقرار وغير محايد.
وفي عنجهية مقيتة لم تنجح محاولاته المركزة في تنميقها أو إخفائها، قال ماكرون أنه “لم يأتي لتنصيب أي شخص، وأنه جاء فقط لإظهار صداقته واحترامه لبلد وشعب شقيق”، لتكون زلة اللسان هته بمثابة المرآة التي فضحت على لسان الساكن في الإليزيه، كيف كانت تعمل فرنسا الكولونيالية دائما على التدخل في الشؤون السياسية الداخلية للدول الإفريقية، لدرجة الإطاحة برؤساء الدول أو تعيينهم، ليعترف بذلك بشكل ضمني بجرائم باريس التي اقترفتها في حق الشعوب الإفريقية جراء الإقتتال والحروب الأهلية، التي عرفتها العديد من دول القارة بسبب التدخلات الفرنسية للتلاعب بأنظمة الحكم بما يخدم المصالح الإستراتيجية لباريس.
ولكي يكتمل إطار الصورة الجديدة التي أراد ماكرون رسمها لبلاده قبيل زيارته إلى الغابون، قال الرئيس الفرنسي مطلع هذا الاسبوع في باريس، إن المربع الخلفي الفرنسي في غرب إفريقيا قد انتهى، داعيا إلى شراكات جديدة في القارة بعيدا عن العلاقات المبهمة وعن دعم القادة الحاليين، كما كرر رغبته في بناء شراكة متوازنة، والعمل على القضايا المشتركة مع بلدان القارة، سواء تعلق ذلك بالمناخ أو التنوع البيولوجي أو التحديات الاقتصادية والصناعية للقرن الحادي والعشرين.
صورة وردية لفرنسا الإستعمارية فضحت سكيزوفرينية الخطاب الفرنسي، الذي حاول ماكرون تصديره لشعوب إفريقيا، تكرست بشكل صريح بعد التناقض التام بين ما أكد عليه يوم الإثنين الماضي من قلب باريس، وبين ما صرح به يوم الخميس أمام جاليته بليبرفيل، حينما زعم أن إعادة تنظيم تموضع القوات الفرنسية في إفريقيا لا يشكل انسحابا ولا فك ارتباط، بل هي عملية تكييف” عبر إعادة تحديد “احتياجات” الدول الشريكة وتقديم “مزيد من التعاون والتدريب”، وكأن شعوب إفريقيا مغفلة لدرجة أنها لن تستطيع تمييز نفاق خطاب ماكرون وازدواجيته الصارخة لكون المشكل لايكمن في نوايا وأهداف التواجد العسكري الفرنسي بإفريقيا، وإنما في طبيعة هذا التواجد الذي أصبح مرفوضا وغير مقبول تحت أي ظرف كان، لتبقى الخلاصة الواضحة لكل ما قاله ماكرون هي ان فرنسا تعيش مرحلة موت إيكلينيكي بإفريقيا، موت لن يغيره الخطاب الإزداوجي السام لفرنسا الكولونيالية.
تابع آخبار تليكسبريس على akhbar