هذه هي أسباب ودوافع التصعيد الجزائري الأخير ضد المغرب

حافظ المغرب دائما على سياسة اليد الممدودة اتجاه الجزائر، ولم ينزع يوما نحو التصعيد وتأجيج الخلافات، إلا أن جارته الشرقية نزعت في المقابل، وباستمرار، نحو افتعال الأزمات وتعليقها على مشجب المغرب، الذي يعتبره النظام العسكري عدوا ابديا، وهو ما  تفضحه اليوم واقعة نزع ملكية بعض العقارات التابعة للقنصلية الجزائرية بالرباط التي أججت سعار الكابرانات وجعلتهم يخرجون ببلاغ عبر وزارة خارجيتهم يتضمن عبارات بعيدة كل البعد عن الأعراف والأخلاق الدبلوماسية، فضلا عن مضامينه المضللة المليئة بالكذب وتحريف الحقائق.

التصعيد غير المبرر الذي ينهجه نظام العسكر في الآونة الأخيرة تجاه المغرب، الذي لا يعبأ باستفزازات الكابرانات، لا يمكن فهم أسبابه وحيثياته إلا بالإطلاع على السياق العام وما تعيشه الجزائر اليوم من أوضاع متأزمة على الأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية، في ظل الصراع المحتدم بين الأجنحة داخل النظام العسكري، وهو ما يتضح من خلال الانقسام الحاد حول المرشح الذي يمكن ان يخلف تبون، لضمان استمرارية نظام الطغمة العسكرية المتحكمة في دواليب الحكم وتنفيذ سياساتها تحت غطاء مدني.

 هذه الانقسامات تعكس صراع نفوذ معقد داخل المؤسسة العسكرية، ومربع الحكم في الجزائر المتوزع بين جنرالات الجيش والمخابرات والرئاسة التي لا سلطة لها على الوضع والتي تكتفي بلعب الدور المُسند اليها والمتمثل في إصباغ طابع مدني على الدولة وإبعاد الأنظار عن اللاعبين الحقيقيين وراء الستار، والطبيعة العسكرية والديكتاتورية للنظام المتحكم في رقاب العباد وثروات البلاد منذ أن أوكلت فرنسا شؤون تدبير ملحقتها في شمال إفريقيا إلى طغمة عسكرية انقلبت على الحكومة المدنية المؤقتة واستولت على دواليب الحكم، وأسست لبداية حكم ما سمي بـ”سُلالة مافيا الكابرانات” التي تحكم الجزائر منذ ذلك الحين.

هذه الصراعات تجعل من الصعب إيجاد حل وسطي يمكنه من توحيد الصفوف وضمان استمرارية النظام العسكري، في ظل الانتكاسات الدبلوماسية المتتالية التي منيت بها الطغمة العسكرية، سواء في ما يتعلق بملف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، أو على مستوى تدهور العلاقات مع الجيران والمحيط الإقليمي كما هو الشأن مع مالي والنيجر أو اسبانيا، وهو ما يجعل من تأجيل الانتخابات الرئاسية، المقرر تنظيمها في دجنبر 2024، مسألة لا مفر منها.

وفي ظل انعدام أسباب موضوعية وغياب المسوغات القانونية لتأجيل هذه الانتخابات، فإن الحل الوحيد أمام الطغمة العسكرية هو الدفع نحو زيادة منسوب الخوف والقلق لدى الجزائريين واستفزاز الجيران، وخاصة “العدو الوهمي” المغربي، وذلك لأجل إعلان حالة طوارئ على أساس وجود ظروف استثنائية، تهدد أمن الدولة واستقرارها، تستوجب اللجوء إلى أحكام  استثنائية تحل محل تلك المطبقة في الظروف الاعتيادية، وبالتالي التنصل من إجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها المحدد من طرف الدستور الجزائري الذي لا يسمح بتأجيل الانتخابات إلا في حالة حدوث ظروف استثنائية جداً كالحرب، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال تهيئة الرأي العام الداخلي لقبول ذلك واستساغته في ظل الأجواء المشحونة ضد نظام العسكر الذي أنهك المواطن الجزائري واغتال أمله الاخير في التغيير من خلال القضاء على الحراك الشعبي، الذي انطلق في فبراير 2019 وكان قاب قوسين أو ادني من العصف بالنظام الدكتاتوري.

وتسابق الطغمة العسكرية الزمن من أجل إيجاد شماعة تعلق عليها سبب تأجيل هذه الاستحقاقات، وذلك بإعلان حالة الطوارئ، حيث أشارت تقارير إعلامية أن النظام الجزائري خطط لإطلاق مناورة لمحاكاة إعلان الحرب على المغرب، الأمر الذي سيكون له أثر مباشر على ضرورة تأجيل الانتخابات الرئاسية في دجنبر 2024، وستكون هذه الحرب، بالنسبة للسلطة الجزائرية الحالية، المخرج الوحيد لتجنب أزمة مؤسسية أخرى يمكن أن تشل البلاد لفترة طويلة.

وفي هذا الإطار، تضيف التقارير ذاتها، طلبت القيادة العليا للجيش والرئاسة الجزائرية من كافة الأجهزة الأمنية والوحدات القتالية الاستراتيجية الاستعداد لتدريبات مكثفة في أعقاب خطة العمل لحرب محتملة وممكنة ضد المغرب، كما ان رئيس أركان الجيش الجزائري، السعيد شنقريحة، خرج قبل يومين بتصريحات جديدة عبارة عن تحذيرات حول وجود ما اسماه “تهديدات وتحديات عسكرية” تواجه بلاده، وفق ما أوردته الصحافة الجزائرية.

وقال إن على الجيش القيام بالعديد من المناورات والتداريب، استعدادا “لأي طارئ”، بسبب “تنوع التهديدات والتحديات” التي يجب على الجيش الجزائري مواجهتها، دون أن يقوم بتحديد نوعية تلك التهديدات أو التحديات.

وشدد شنقريحة على ضرورة أن “يكون الجيش الجزائري في أعلى مستوى الجاهزية. وأن يقوم بالمتابعة المستمرة لكافة التطورات الأمنية في المنطقة”. قبل أن يجدد مرة أخرى الحديث عن “الاستعداد الدائم للجيش الجزائري لمواجهة التهديدات التي قد تحدث”.

هذه الخرجة الجديدة لسعيد شنقريحة، بالإضافة إلى بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية حول موضوع نزع ملكية البقع الأرضية الجزائرية المحاذية لمقر وزارة الخارجية المغربية بالرباط، لا تعدو أن تكون سوى محاولات فاشلة للتغطية على الأزمات الداخلية والنكسات الدبلوماسية التي يعيشها النظام العسكري، وهروبا إلى الإمام في سباق مع الزمن لتأجيل الانتخابات الرئاسية من خلال تغذية مشاعر الخوف والقلق لدى الجزائريين وجعلهم تحت وطأة عدم الاطمئنان وتبرير الإعلان عن حالة الطوارئ، كحيلة لتأجيل الانتخابات الرئاسية، وتضليلهم بالادعاء أن الجيش هو الحل وهو الكفيل برفع التحديات ومواجهة تربص الأعداء الوهميين والتهديدات والأخطار المحدقة بالجزائر، حسب عقيدة الطغمة العسكرية المريضة.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar