واموسي طاقم إعلامي على قدمين..غيواني يغني للعالم: بغيت بلادي

سيرا على نهج محمود دأب عليه منذ مدة، وفي إطار توجه نادر وخطوة جريئة في مجال الكتابة الصحفية بالمغرب، عمد الزميل أحمد الجَــــلالي، مدير نشر “الشوارع”، إلى تخصيص فضاء هام  بموقعه للحديث عن وجوه إعلامية شبهها بالفوانيس التي تضيء الشوارع، وأبى إلا أن يخصها بتكريم “قبل أن تنطفيء، فيكون الكلام الحقيقي قد فقد وهجه”.

هذه المرة، اختار الزميل أحمد الجَــــلالي ان يخصص زاوية فوانيس لمسيرة أحد الوجوه الاعلامية المتميزة، والتي لا يمكن ان نتحدث عن مهنة المتاعب بالمغرب دون ذكر اسمه، ويتعلق الأمر بالزميل  محمد واموسي، الغني عن التعريف، والذي شق طريقه في عالم الإعلام بصبر وتفاني، حيث تنقل بين الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون، واستطاع أن يترك بصمة واضحة في كل محطة مر بها، جامعًا بين المهنية العالية والحب العميق للوطن.

وبالنظر إلى المسار المتميز للزميل واموسي، والطريقة الرائعة التي اختار الزميل احمد الجلالي نهجها لتقديمه للمتتبعين، والتي تنم عن وهج إبداعي وإلمام خاص بزوايا الموضوع وأوجهه المتعددة، قررنا إعادة نشر هذه المساهمة نقلا عن موقع الشوارع، لتعميم الفائدة:

منذ سنوات، وقبل أن ترى هذه “الشوارع” نور شبكة العناكب وتتلمس طريقا شائكا ــ ومسموما أحيانا ــ في منعرجات النشر الرقمي، كانت نسقا من أفكار وتصورات صيغت في “ماكيط” مؤقت.

ضمن ذلك التصميم الناظم لخط تحرير مختلف، كانت زاوية “فوانيس“، ولكن من يستحق هذه الفوانيس؟ سألت نفسي. وجاء الجواب المقنع: فوانيس الشوارع هم كل من أضاء دربا وألقى نورا في العتمة المغربية أو الإنسانية سواء كعالم أو مبدع أو مجد في مهنته.

ولابد أن نعترف أن الفوانيس المزيفة سوقها واسع ومروجوها بأجر ومن دونه حتى كثر لشديد الأسف. غير أن هناك لحسن الطالع فلتات من فوانيس مغربية ماتزال تعيش بيننا وتمشي في أسواقنا وتلقي بأنوارها بين أزقتنا وتضيء العقول والقلوب فينا.

دأب قوم “قبيلة الصحافة والإعلام” على تفادي الكتابة الإيجابية عن بعضهم ووفروا، في الغالب الأعم، جميل عواطفهم إلى أيام التأبين وتدبيج التعازي.

في “الشوارع” آثرنا أن نكرم بالكلمة الطيبة الصادقة فوانيس مهنتنا قبل أن تنطفيء، فيكون الكلام الحقيقي قد فقد وهجه، نريدها أن تقرأ عن نفسها فينا وعبرنا فنصبح لها المرآة والشاهد والحافز فيزيد التوهج ويتعالى التألق.

فانوسنا هذه المرة زميل شق طريقا وعرا وطويلا وغنيا، وجال بين القارات والصحف والمحطات الإذاعية والتلفزية ووكالات الأنباء، أي أنه كتب ثم تحدث عبر الميكروفن على المباشر ثم أعد التقرير المتلفز ووقف منتصبا أمام الكاميرات تحت الأضواء الكاشفة..بكلمة: اجتمع فيه ووقع على عاتقه ما لم يقع على غيره، ومن يسطيع حمل كل هذا غير مغربي عركته الحياة وباركه الخالق بطاقة ومواهب لا تشترى بمال ولا تباع في أسواق؟

إنه اسم فرض نفسه عبر حفر تراب المهنة بالأظافر واشتغل بتفاني مقاتل مصر على تحرير وطن أو بطل سباحة قرر المخاطرة بقطع ساحل خطر قبل الوصول إلى ضفة أخرى تعد بالأمان والسكينة.

هل أخذكم التشويق لمعرفة من يكون هذا الفانوس؟ مهلا، لن نطيل أكثر.

اسمه محمد واموسي. حتى كاتب هذه الأسطر، الداعي له ولكم بالحفظ من شر كل خناس ووسواس، لم يكن قد انتبه إليه إلا في السنوات الأخيرة بعدما قرأ إشادات بكفاءته من قبل بعض الزملاء عبر منصات التواصل الاجتماعي.

من أصيلا الثقافة والعطاء بلا حدود انبعث واموسي وبعد الصف الثانوي شرع مبكرا في الكتابة على صفحات “الخضراء” لصاحبها طيب الذكر الإعلامي أحمد إفزارن وتقاضى من “الأموال الطائلة” مائتي درهم كل أسبوع، وما ألذ أموال البدايات، ليجد نفسه بعدها بالرباط محررا في صحيفة حزبية بأجر 1500 درهم شهريا، ولكم أن تتصورا كيف يمكن أن يعيش شاب مقبل على الحياة بهكذا أجر في عاصمة المملكة نهاية القرن الماضي.

ولكن كل صعب كان لابد على ذلك الشاب يهون، أمجبرا كان أم بطل. تخطى واموسي هذا الامتحان وصمد وتعلم الأساس في المهنة: أن تكتب وتصحح ثم تتعلم كيف تكتب. ومن لم يكتب فلن يصبح يوما إذاعيا ولا مذيعا. في البدء والختام كانت وستكون الكلمة.

 ومع بداية القرن والألفية الحاليتين سيحلق الفتى باتجاه فرنسا التي سيدرس بجامعاتها ثم يخوض غمار التجارب الإعلامية الصلبة، وكانت البداية مع مجلة “الوطن العربي”.

وبين “الوطن العربي” في ديار الإفرنج وشغل مهمة مدير مكتب تلفزيون دبي و وكالة أنباء الإمارات في العاصمة الفرنسية باريس، قصص تستحق أن يرويها واموسي في مذكراتها لتبقى وثيقة للأجيال اللاحقة سواء مغاربة أو عربا.

في العام 2006 سينضم واموسي إلى الفريق الصحافي لإذاعة مونت كارلو الدولية التي يوجد مقرها في باريس وخاض فيها تجربة إذاعية لأكثر من أربعة أعوام.

و “مونت كارلو” ليست مجرد إذاعة، إنها العالم كله اجتمع في مؤسسة واحدة تبث بكم هائل من اللغات، وإن اشتغلت بها فمعناه أنك طفت العالم من خلالها. هي “بابل” إذاعات الدنيا.

 ومن الميكروفون حلق واموسي في سماء الشاشات الناطقة بالعربية حين التحق بداية 2007 بتلفزيون دبي، كمراسل ومدير مكتب القناة نفسها في باريس ، وفي بداية العام 2009 التحق بطاقم القسم العربي لشبكة يورونيوز الإخبارية.

و في العام 2012 انضم واموسي إلى قناة القارة المختصة في الشأن الأفريقي الموجود مقرها في باريس، وفي بداية العام 2014 التحق بطاقم صحيفة القدس العربي التي يوجد مقرها في لندن، كمسؤول عن مكتبها في العاصمة الفرنسية.

في ذات العام التحق أيضا بوكالة الأنباء الإماراتية كمدير لمكتبها في باريس،كما يكتب مقالات بشكل منتظم في صحف عربية و فرنسية.

وفي كل هذه التجارب الغنية غطى زميلنا وتابع وعايش على الأرض أحداثا ساخنة وقابل شخصيات وازنة واحتك بصناع القرار إقليميا ودوليا.

 وكصحافي محترف يسري حب العمل الميداني في دمه لم يكن واموسي ليستكين لعمل مكتبي جامد، ولذلك طاف الدنيا شرقا وغربا ورأى ونقل وكتب وعلق..والأهم كان شاهدا على أحداث وتعرف إلى مصادر قوية ومسؤولين من عيار ثقيل: وماهو الصحافي في النهاية غير موهبة من الرب ويد تكتب وحس ينقب..وأجندة هواتف لوقت شدة تلزم التحري عن معلومة أو الحصول عليها؟

وفي أواسط أربعينياته نضج الفتى كثيرا وصار لشخصه حضور وازن على الشاشات ورأي مسموع كضيف في برامج إخبارية أو ككاتب على المواقع مستند إلى معطياته الُمُحينة من مصادر دولية قوية.

وفي سن النضج هذا المرتبط بالمسؤوليات المهنية والأسرية تجد واموسي حاضرا على كل واجهات السوشال ميديا، عبر حساباته النشطة والمتواصلة بانتظام مع متابعيه.

وراء ذلك الوجه المستدير المشع بالذكاء بعينين لامعتين خلف نظارات طبية، تتمترس شخصية مغربية عميقة الجذور في تربة الوطن. الزميل واموسي الحامل للجنسية الفرنسية والذي يشتغل واشتغل مع كل الجنسيات العربية تقريبا ظل مغربيا قحا، ما تسرب للسانه مسخ لساني ولا طيش فكري ولا هزيمة روحية.

في كل هذا المسار الطويل كان صوته صوت المغرب اللاهج بحب الوطن وقضاياه المصيرية وعلى رأسها مغربية الصحراء التي اجتهد في شرحها للنخب الغربية والعربية.

وبذلك الصوت الفخم الظاهر في تغطياته أسمع من كان به صمم تجاه الحق المغربي في أرضه كاملة غير منقوصة.

غير أن من أرهف السمع قليلا لما وراء صوت “فانوسنا” الأصيلي سيشعر بتلك العاطفة للوطن وبحة المشتاق إلى البلد ولسان حاله يغني في صمت: بغيت بلادي.

واموسي، ومهما امتثل لإكراهات جدية المهني صوتا وصورة يبقى مغربيا غيوانيا…حتى النخاع.

لا، بل هو غيواني ومشاهبي تحديدا، وما من شك فإن من يتموقع بزاوية لمشاهب تحت الخيمة الغيوانية الكبيرة يكون متمتعا بحس فني راق يجمع بين عشق الكلمة ودقة الانحياز للسلم الموسيقي المضبوط..ومرجعية فنية يمتزج فيها الإبداعي بالنفسي وتفاصيل أخرى يطول شرحها ويصعب قليلا على غير المتخصصين.

وماذا بعد يا سي واموسي وقد “توحشت بلادك”؟

العودة للأصل أصل وما نراك إلا مشتاقا للمغرب حتى وأنه يسكنك فإنك لن تستكين بعيدا عنه. وهذا حال كل مريدي تمغرابيت التي تتدفق منك شلالات في كل تدخل عبر الشاشة يهم قضايا الوطن.

عندما يذكر المغرب/الوطن/الأمة تخلع قبعة الإعلامي وتعتمر جلباب المغربي بلغة مقاتلة لا تقبل مجاملة ولا مهادنة.

غير أن تمغرابيت هذا الرجل ليست تعصبا ولا شوفينية، والدليل مواقفه الإنسانية من أم القضايا العادلة فلسطين. القوا نظرة على حساباته وانظروا كيف يتابع وماذا يكتب وكيف يتفاعل..ثم احكموا.

يصعب الختم في حق إعلامي فذ في قمة عطائه. بقدر ما نريد لتألقك أن يتعاظم نستحضر حاجة الساحة الوطنية إليك وإلى أمثالك من الصادقين الموهوبين ليعطوا فرصة لخدمة المغرب عبر سلاح الإعلام..هنا والآن..وحيثما كانوا ودائما.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar