يومي الأول بالمدرسة

نهار الأول ليّ بالمدرسة فيقاتني الواليدة ولقاتني بْلتْ فالفراش، ماشي هاذيك أوّل مرة كنبول فيها؛ إذ أن عادة البول فالفراش ليلاً رافقتني لحدود سن الثانية عشرة لسبب معين أجهله.

وبما أن الواليدة ديّالي كان يُعذبها غسل فراشي كل يوم، وتتضايقُ كثيراً من بولي وأنا في تلك السن المُتقدمة قليلاً، صدقتْ المسكينة كلّ ما نصحوها بفعله لأتوقف عن البوّل، واتبّعت جلّ الوصفات التي قدمتها لها نسوة جاهلات ذميمات. واحد الليلة لقيت راسي ناعس مع صغير سلحفاة بنفس الغرفة، شي وحدة نصّحاتها بالأمر، ومشّات الواليدة كتقلب فواحد الفيرمة بكل همّة ونشاط مع النبوّري، فمن نصّحتها، وضعت رهن إشارتها، وبالمجّان، معلومة مهمة، أن السلاحف تستلطفُ قطرات ندى الصباح المتساقطة على وريقات الأعشاب، فالتقطت إشاراتها بذكاء، ومشات كتقلب عليه، ومن حسن حظها، أنها لم تتعب كثيراً في العثور عليه..

صغير السلحفاة لم ينفع معي. بقيت كنبوّل كل ليلة، وحتى وهو يقاسمني الغرفة، كانت والدتي تجد الفراش مبللا كل صباح. جرّبات أنها تحمّمني بمياه باردة باتت ترقب النجوم، إحدّاهن أوصتها بذلك، وتصوروا معي، طفل نحيل البنية في السابعة من عمره، وفي عزّ برد شهر يناير، يغتسل بمياه باردة جداً على الساعة السابعة صباحاً. لم تنجح الوصفة في شفائي من التبوّل لا إرادي ليلاً، عدا أنها أصابتني بنزلة برد حادة قادتني لآخذ دوري في الكشف بالمستوصف الصحي للفيلاج..

سلّمتْ أمرها لله بعد أن يئست من تجريب كلّ الوصفات. فذاك الصباح، شبعت عصى من عندها بسبب بولي، وبدّلات لي حوّايجي، وعطاتني خرقة باش نمسح الخنونة المُشرئبة كل لحظة وحين من ثقبيّ أنفي الواسعتين.

مشات معيّ للمدرسة، وكنت مبغيتش نمشي حيث كنت خايف ليسخروا مني زملائي فالقسم جراء رائحة البول التي تفوح مني؛ وبالرغم من أن والدتي المسكينة رشّت عليّ نصف قارورة عطر الموتى؛ فرائحة البول لازالت تزكم الأنوف، واستسلمت هي لمشيئة الله، واستسلمتُ أنا لظنوني في أن الصبية سيصفونني “بالبوّال” ما إن يلقوا عليّ أول نظرة.

كنت خايف، وبقيت كنبكي ليها فالطريق، وفكلّ مرة كتخرّج الخنونة بدون استئذان، تضطرُّ المسكينة باش تمسحها ليّ بالخرقة مزيّان، وتعيدها لجيب قميصي الجديد، دون أن تنسى، وبعد كل عملية تنظيف تقوم بها لأنفي، في أن توصيني بنبرة لاذعة :

ـ ها الزّيف (الخرقة) فالجيب ديّال القاميجة، الوقت لحسيّت بخنونتك غتخرج مسّحها بيه، عندك تمسحها بكمّام القاميجة راه غتلمّ عليك الذبان المعفون..

كنت أحرّك رأسي وأجيبها باقتضابٍ شديد:

ــ وخا..

وكان في نيتي أن لا أمسحها. أوهمتها فقط بذلك، ورغبة كبيرة تغمرني في لعق المخاط اللذيذ، ولن أمسحه لا بالخَرقة ولا بكمّ القميص.

بقيت كنطلب فيها ترجعني للدار حيث الدرّاري غيضحكوا عليّ، وهيّ؛ بحزم وشدّة، تسحبني من يدي الصغيرة غير تاركة أيّ فرصة لي لإفلاتها من قبضتها والهرب.

المسافة الرابطة بين المدرسة والدوار تقترب من الكيلومترين، مشيناها على رجلينا، وما إن اقتربنا من الفيلاج، حتى سحبت والدتي الخرقة من جيب قميصي ومسحت أنفي ووجهي جيداً، وأعادت تذكيري بما يجب عليّ فعله كلّما أحسّست بالخنونة هابطة.

عند باب المدرسة، يقف المدير ضاماً يديه لخلف ظهره ويعّقد تقاسيم ملامح وجهه. يستقبل أولياء التلاميذ الجدد، وبعد أن يُطمئنهم على مصير فلذات أكبادهم، يعودون هم أدراجهم، ويدخل الطفل الباب مستكشفاً بناية يلجها لأول مرة في حياته.

مع وقفات عليه الواليدة، حدجّها من خلف عدستي نظارته الطبية بعينيه الحادتين، ورمقني بنظرة خاطفة كأنه مستعجل في إبعاد عينيه عن أنفي المُحمّر. وبعد أن طمأنها عليّ وأن لا داعي لبقائها هنا، أطلقت سراح يدي لتتركني وحيداً وسط ثلة من أقران لا علاقة لي بهم. وهي تغادر، أوصته بي خيراً:

ــ عطيه العصى مزيّان إلا مبغاش يقرا، وعندك تضحك ليه وتحلّ ليه الباب، راه يطلع ليك فراسك أسيدي..

ابتسم المدير ابتسامة خفيفة، وصرت، وطيلة عامين، كبش الفداء الذي يضحي به المدير كلّما أحدثنا زوّبعة ضجيج بساحة المدرسة. فهو لم ينسى وصية أمي له..

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar