مكناس العريقة… وضعية تدعو إلى القرف والاشمئزاز والغضب (الحلقة التاسعة)

بمجرد ما تطأ قدمك مدينة مكناس، تشعر وأنك ترتمي في أحضان التاريخ  وعبق الحضارة المغربية الأصيلة، ويأخذك الحنين إلى ماضي عريق والى شعور بالمجد والعنفوان والقوة.. لكن هذه المدينة التي اتخذها السلطان مولاي إسماعيل عاصمة للبلاد في الفترة الممتدة مابين 1672-1727 م، بدأ نجمها في الأفول، وبعدما كان يتغنى بجمالها الشعراء و المؤرخون والعلماء ووصفوها بالروض والجنان، ها هي اليوم تئن تحت وطأة التهميش وسوء التسيير والتدبير والعشوائية وزحف الاسمنت على كل ما هو أخضر..

في محاولة لتطويق مشاكل العاصمة الاسماعلية ولفت انتباه المسؤولين لما ألت إليه أوضاع مكناس البهية، نورد حلقات عنها من إعداد عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية..

المطلوب من المنتخبين: فقط الحفاظ على ما وجدوه قائما

إذا كانت الانتخابات ستستمر في إفراز مجالس على الشكل الذي عرفته مدينة مكناس لحد الساعة، فسحقا لها من انتخابات، ويا ليتها ولت بغير رجعة. من المؤسف جدا أن تصل أوضاع المدينة إلى ما هي عليه الآن. إنها وضعية تدعو إلى القرف والاشمئزاز والغضب، لدرجة يحس الإنسان معها “بالحكرة” والحسد في بعض الأحيان، خاصة عندما يزور مدنا أخرى ويشاهد مدى تطورها على جميع المستويات، وتوفرها على التجهيزات والمرافق التي تضمن راحة سكانها. بل هناك مدنا صغيرة أصبحت تنافس العواصم الجهوية بطرقها الواسعة وحدائقها الجميلة التي لم تكن موجودة من قبل، كما هو الحال في مدينتي برشيد وتيفلت على سبيل المثال. فهنيئا لسكان هذه المدن.

فالناس في مدينة مكناس لا يطلبون من المسيرين أن يأتوهم بجديد، لأن سنوات التسيير بهذه المدينة أظهرت أنهم غير مؤهلين لذلك على الإطلاق ولا أمل يرجى منهم، بل المطلوب منهم هو المحافظة على ما وجدوه عندما “قطر بهم السقف” ودخلوا مكاتب المجلس، مع العناية بالقليل من التجهيزات التي تركها أسلافنا الأولون، الله يكثر خيرهم… نعم، المطلوب من المسيرين ليس هو بناء مرافق جديدة : بل الحفاظ على ما وجدوه قائما. فقط. لا غير. لكن، يبدو أنهم فشلوا حتى في هذه المهمة البسيطة، ما دام أن العديد من المرافق بالمدينة معروضة للكراء أو التفويت أو مهددة بالتلاشي والتآكل والتدهور.

يقول المثل الشعبي : “علامة الدار على باب الدار”، وهو ينطبق تماما على أعضاء المجلس الموكولة إليهم مهمة تسيير شؤون المدينة. فماذا تنتظر منهم إذا كانوا عاجزين عن العناية حتى بمقر المجلس الذي من المفروض أنهم يلتحقون به يوميا للقيام بالواجبات التي انتخبوا من أجلها؟ إذ يكفي إلقاء جولة حول هذا المقر للاطلاع على ما أصاب البناية من تدهور، وما تعانيه من أوساخ، وما أصاب صباغتها الخارجية من تآكل… عند رفع النظر من الخارج إلى أعلى بناية المقر، تبدو قنوات الصرف الصحي بادية للعيان، تطل من خلف الثقوب الكبيرة في أسفل السقف وهي توجه تحياتها التهكمية للمارة بصب قطراتها على رؤوسهم. وتمثل هذه القطرات الملوثة، التي يبعثها مقر المجلس لمن هم حوله، إشارة صارخة لقيمة المواطن ورمزية واضحة لدرجة المسؤولية لدى أعضاء المجلس ولطبيعة العلاقة بين الناخب والمنتخب في هذه المدينة.

إذا أراد الإنسان سرد المعاناة اليومية للمكناسيين، ينبغي له التحلي بصبر سيدنا أيوب، لأنها عبارة عن مسلسل لا تنتهي حلقة منه قبل أن تنطلق حلقة أو حلقات أخرى.

عبد القادر لبريهي، صحافي ومهتم بالشأن السياسي والجماعات الترابية

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar