في إطار تنويع شركائه.. المغرب يراهن بشكل كبير على الهند خامس أكبر اقتصاد في العالم

يعيش العالم مند سنوات على إيقاع التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية التي تميزت بإعادة تشكيل موازين القوى التقليدية وصعود قوي لأقطاب نمو جديدة في الجنوب.

وفي عالم يتغير باستمرار، اختار المغرب أشكالا جديدة من الشراكة، لا سيما في إطار تعاونه جنوب – جنوب. وقد مكن هذا التغيير الجديد في معايير العلاقات بين الهند، خامس أكبر اقتصاد في العالم، والمغرب الرائد افريقيا، من التكثيف والتنويع، مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانات التي يتوفر عليها الفاعلين الإقليميين.

وتعود العلاقات المغربية الهندية إلى عدة عقود، لكن وتيرة المبادلات اكتسبت بعدا آخر بفضل زيارة صاحب الجلالة الملك محمد السادس للهند سنة 2015، والتي اتفق جلالته خلالها مع ورئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، على رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى “شراكة إستراتيجية”.

ولم تتأخر نتائج هذه الزيارة في الظهور، فعلى مدى السنوات الخمس الماضية، نظم البلدان حوالي عشرين زيارة وزارية ثنائية، ووقعوا حوالي أربعين اتفاقية ومذكرة تفاهم تهم مجموعة واسعة من القطاعات، من الصناعات الغذائية، إلى الصناعة الصيدلية، والنسيج، وإنتاج الأسمدة، والطاقات المتجددة.

ويعود تاريخ آخر تبادل إلى انعقاد الدورة الخامسة للمشاورات السياسية المغرب – الهند في نونبر الماضي بالرباط، والتي شدد خلالها الطرفان على أهمية علاقات الشراكة الاستراتيجية التي تتميز بالصداقة والتضامن المتبادل ودعم السيادة والوطنية والوحدة الترابية للبلدين.

وتبادل الطرفان سبل تعزيز التعاون في العديد من القطاعات الدبلوماسية، والاقتصادية، والأمنية، والصحية، والأمن الغذائي، والطاقة الخضراء، وصناعة السيارات، والطيران، وغيرها.

ويراهن المغرب بشكل كبير على الهند التي تتوفر على سوق يبلغ عدد سكانه 1,4 مليار نسمة، وتتولى سنة 2023 الرئاسة الدورية لمجموعة العشرين، وهو ما جعله يأخد بعين الاعتبار الإمكانات الهائلة للعملاق الهندي، وذلك من خلال أول حملة ترويجية للعلامة الجديدة للاستثمار والتصدير للمغرب بالهند “المغرب الآن”، التي تم اطلاقها سنة 2021.

ولقيت هذه الحملة الترويجية التي أطلقتها الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، والسفارة المغربية في الهند، والتي جابت عدة مدن، لاسيما بنغالور، نجاحا كبيرا من حيث ابراز المؤهلات والإمكانيات التي تتوفر عليها المملكة والترويج لصناعة تستجيب لاحتياجات الطلب العالمي.

ومما لاشك فيه أن المغرب يستأثر بدوره باهتمام متزايد من طرف المستثمرين الهنديين، لا سيما مجموعات السيارات والصيدلة، والمتخصصين في الطاقات الخضراء، من قبيل المجموعة العملاقة أداني، التي أعلنت مؤخرا عزمها الاستثمار في المغرب في الهيدروجين الأخضر.

وفي هذا الصدد، اعتبر أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة دلهي كومار سينغ أن “الروابط ما فتئت تتحسن بين المملكة والهند التي تعتبر المغرب شريكا اقتصاديا واستراتيجيا من الدرجة الأولى في إفريقيا”.

وأوضح السيد سينغ في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن فرص الاستثمار العديدة والمتنوعة يتعين أن ترفع أكثر من حجم التجارة الثنائية بين البلدين المقدرة بحوالي 2 مليار دولار سنويا.

وقال إن المغرب بالنسبة لنيودلهي ملاذ للاستقرار والسلام ويعتبر أيضا، بفضل موقعه الجغرافي، بوابة للصادرات الهندية نحو إفريقيا وأوروبا.

وشدد على أنه من الواضح أن الهند والمغرب يتفقان حول عدة مبادئ وقضايا دولية، لا سيما أهمية احترام الوحدة الترابية وسيادة الدول، مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من هذا التقارب في الأفكار لتوطيد العلاقات الثنائية.

وبالنسبة للمغرب فإن الهند التي تتوقع نموا اقتصاديا بنسبة 6,8 في المائة سنة 2022، أي أكثر من ضعف الصين، تسعى أن تكون شريكا اقتصاديا استراتيجيا وحليفا أثبت تعاونا كبيرا مع المملكة خاصة خلال جائحة كوفيد-19 بتسهيلها تصدير الأدوية ودفعات كبيرة من اللقاحات.

وفي ما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، تواصل نيودلهي دعم جهود المغرب من أجل تسوية هذا النزاع المفتعل، تحت إشراف الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي واقعي ومقبول من الأطراف.

ومن الواضح أن هناك تفاهم كبير بين الجانبين، حيث أعرب وزير الشؤون الخارجية الهندي، سوبرامانيام جيشانكار، في لقاءات سابقة مع مسؤولين مغاربة، عن ارتياحه لمستوى التعاون المغربي الهندي وتشابه وجهات نظر البلدين في عدد من القضايا داخل المنظمات والمؤسسات الدولية.

ويبدو أن المستقبل سيكون واعدا، في وقت قررت فيه القوة الآسيوية إثبات نفسها في المشهد السياسي العالمي، بعد أن كانت قد اكتفت لعقود بدور داخل حركة عدم الانحياز وأخذت مسافة من القطبين الرئيسيين خلال الحرب الباردة.

كما تطالب نيودلهي بمقعد دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب الولايات المتحدة والصين وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar