تصاعد التوتر الأميركي التونسي وحديث عن “عودة العسكر” إلى الحكم

شهدت الأجواء بين واشنطن ونظام قيس سعيّد المزيد من التلبّد والتوتر في الأشهر الأخيرة، إذ إن تعالي الضجة حول تسارع وتيرة خطوات سعيّد لتعطيل المؤسسات وقمع الحريات والانحدار نحو الاستئثار والحكم الفردي، دفع بالموضوع إلى الضوء أخيراً في واشنطن، مع حديث عن توقعات بأن يقوم الجيش بوضع يده على الحكم في البلد.

وفي أقل من أسبوع، نددت الخارجية الأميركية مرتين بسلوكيات ومواقف النظام التونسي وبما يشي بأن الكيل بدأ يطفح بينهما. وجاء ذلك في امتداد نفور بدأ بالتصاعد في أعقاب قرار الرئيس سعيّد بحل مجلس النواب التونسي في يوليو الماضي 2022 وما أعقبه من بداية هبوط في المساعدات الأميركية لتونس.

في البداية، اكتفت الإدارة بالتشديد على أهمية “الشراكة” مع تونس، وضرورة حماية “ديمقراطيتها”. ومع تفاقم المنحى الأوتوقراطي للرئيس سعيّد ودخول الإعلام على الخط، انتقلت المتابعة من الغمز إلى الحديث المكشوف عن خطورة انحراف النظام ومخاطر توجهاته “وعناد الرئيس وتشبثه برأيه”.

وبلغت هذه المطاردة مداها أثناء زيارة الرئيس سعيّد إلى واشنطن في نوفمبر الماضي للمشاركة في أعمال القمة الأميركية الأفريقية، إذ حاول سعيد اغتنام تلك الفرصة لتحسين صورته، لكن محاولته جاءت متأخرة وانقلبت إلى نقيضها.

ففي لقائه آنذاك مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، سمع الكثير من “التذمر” مما وضعه في موقف “الدفاع” في جلسة كانت “غير مريحة” له، حسب التسريبات. وترافقت مع ذلك دعوات لعدم المضي في اتفاق “لتطوير التجارة” مع تونس بقيمة 498 مليون دولار كاستثمار في ميناء رادس التونسي، كما ارتفعت مطالبات لتوجيه دعوة للمنظمات المدنية التونسية للمشاركة في القمة القادمة حول الديمقراطية.

وكانت ذروة نكسته في لقائه مع هيئة التحرير في صحيفة “واشنطن بوست” التي على أثرها صعّدت حملتها عليه واتهمته “بنشر المعلومات الكاذبة” عن تونس ولجوئه إلى “الذريعة القديمة المفلسة التي يستخدمها عادة الحاكم الديكتاتوري” والتي تنحي باللائمة على “تدخل الغرباء ودور وسائل الإعلام” لتبرير الإجراءات غير الاعتيادية.

وعلى اثر ذلك، تصاعدت الضغوط لعرقلة منح تونس قرضاً من صندوق النقد بقيمة 1.9 مليار دولار. وبالفعل جرى تأجيله في 14 ديسمبر الماضي “حتى إشعار آخر” ولغاية حصول “إصلاحات ليس فقط اقتصادية، بل أيضا سياسية” في تونس، كما تضاعفت الضغوط على الإدارة لترفع صوتها أكثر وتتحدث بوضوح وبوتيرة أعلى عن النظام التونسي ومساره المقلق، وهذا ما حصل.

وفي تعقيبها على ضعف الإقبال الصادم (9%) على التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات التونسية التي جرت مؤخراً، دعت الخارجية الأميركية نظام سعيّد وبتأنيب مبطّن، إلى ضرورة تأمين الظروف “لمشاركة أوسع تعكس تطلعات الشعب التونسي للديمقراطية ورغبته في محاسبة حكومته”.

وأعقب ذلك الأسبوع ردّ قوي من الخارجية على التهمة الجنائية التي وجهتها السلطات التونسية لأشخاص تونسيين”، لأنهم تحدثوا مع دبلوماسيين من السفارة الأميركية” هناك. وإذ قال المتحدث الرسمي بأن مثل النشاط “هو من صلب العمل الدبلوماسي في أي بلد في العالم”، إلا أن حدة الردّ أوحت بأنّ واشنطن ربما تكون قد انتقلت إلى طور التشاور مع المعارضة التونسية لاستكشاف الخيارات والبدائل.

وتبع ذلك، أول أمس الإثنين، نوع من الإدانة لموقف الرئيس التونسي من قضية المهاجرين الأفارقة الذين دخل بعضهم إلى بلاده وكلامه عن “مؤامرة لتغيير هوية تونس”. توالي هذه الردود وفق خط تصاعدي وبما وضع تونس تحت المجهر، يشير إلى ما يراه البعض بمثابة “انقطاع الأمل” من تراجع الرئيس التونسي عن توجه بات محكوماً ببلوغ نهاياته المؤدية إلى بديل “بعدما حوّل سعيّد الدستور إلى مهزلة”. والسيناريوهات في هذا الصدد بدأت تتردد. منها أن يؤدي خليط “القمع مع التردي الاقتصادي إلى اضطرابات يتصدى لها الجيش من خلال وضع يده على الحكم”، حسب قراءة صدرت عن “مجلس أتلنتيك ” للدراسات.

واللافت أن الحديث عن هذا السيناريو جاء بلغة جازمة تقول إن “البحث عن السيسي (الرئيس المصري) التونسي مسألة جارية فعلياً”، وحتى لو كان هذا التقدير مبالغاً فيه، إلا أن المداولات الأميركية بشأن الملف التونسي تتقاطع عند الاعتقاد أن عملية تصحيح النظام فات أوانها وصارت شروطها غير متوفرة.

المصدر: عن العربي الصغير بتصرف

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar