الدكتور نور الدين بلحداد  للجزائريين: “ديرو النية معانا تربحو”

الحقيقة التاريخية والتي لا يمكن لأي أحد أن ينكرها او يتجاوزها وهي ان هناك روابط وشيجة وعلاقات وطيدة، جمعت بين الشعبين المغربي والجزائري على مر السنين، لم تكن هناك حدود لا جغرافية ولا طبيعية ولا سياسية كان هناك اتصال دائم والكل في انسجام يتنقل ويتجول يبيع ويشتري يتزوج من هنا ومن هناك، لان المرجعية لا الدينية ولا الاجتماعية ولا التاريخية واحدة تجمع بين ثناياها الجميع في إطار وحدة في العقيدة والدين وفي الهوية وفي التآزر والتضامن والتآخي اذا اشتكى الجسم الجزائري هب المغاربة لدوائه وعلاجه والعكس صحيح.

هكذا كان آباؤنا وأجدادنا وعلماؤنا وفقهاؤنا وزعماؤنا وقاداتنا لم يعرف التاريخ لا قطيعة ولا إغلاق للحدود ولا قطع للعلاقات لا الودية ولا الاجتماعية ولا السياسية، بل حتى في زمن الاحتلال العثماني للجزائر بقيت الوشائج والروابط قائمة، بحكم الجوار واللغة والدين ولم تبدأ القطيعة مع البلاد الجزائرية، ولا أقول مع الشعب الجزائري إلا بعد ظهور الأطماع العثمانية في احتلال بلاد المغرب آنذاك، انتفض السلاطين العلويين الشرفاء للدفاع عن الوحدة الترابية والوطنية وفرضوا بقوة السلاح والجهاد ضرورة تحديد حدود كل دولة من الجهة الشرقية، فكانت معاهدة تافنا التي وقعها العثمانيون مع السلطان العلوي الفذ مولاي محمد بن الشريف أي محمد الأول سنة 1653.

 وهكذا أصبح هناك عنصر إسلامي ليس عربي يجاور البلاد المغربية من الجهة الشرقية واستمر الحال على ذلك المنوال حتى دخول الفرنسيين للجزائر واحتلالها سنة 1830 وبقاءهم فيها إلى غاية سنة 1962واثناء الوجود لا العثماني ولا الفرنسي ظل المغاربة أوفياء لإخوانهم الجزائريين، أمدوهم بالمال والسلاح والرصاص والمؤونة مساعدة منهم لهم في محنتهم مع الاحتلال العثماني والفرنسي، لكن أواصل الرحمة والحنان والرأفة ظلت قائمة في قلوب السلاطين العلويين إزاء إخوانهم اهل الجزائر، فها هو السلطان مولاي الرشيد يهب سنة1666 لنجدة أهل الجزائر من ظلم الأتراك وجورهم، ويدخل بخيله وجيشه إلى تلمسان  وعين ماضي وتاهرت ويهزم الجيوش العثمانية ويهرع إليه الحاكم العثماني، ويطلب منه الكف عن تقتيل العثمانيين وطلب منه أن يلتزم بالعهد الذي أعطاه لهم أخيه مولاي محمد الأول بالا يتجاوز واد تافنا بخيله ورجاله.

 امتثل السلطان العلوي مولاي الرشيد عملا بالعهد والوفاء لما تعهد به أخاه معهم ورفع عنهم البارود والخيل وهاهو السلطان العلوي الشهم سيدي محمد بن عبد الله الذي دانت له الأقطار وسمعت بعظمته وقوته العرب والعجم وذاع صيته في كل الأقطار ووصل إلى مسامع أمريكا والدول السكاندنافية وروسيا القيصرية وأوروبا الغربية والشرقية وسائر الدول الأسيوية العربية والإسلامية وأدغال أفريقيا، دفع هذا السلطان من ماله الخاص مبالغ مالية عديدة ووفيرة لنجدة الجزارين وافتدى أسراهم من سجون ستوكهولم ومن جنوة وصقيلية ومدريد ولشبونة وباريس.

 وهناك العديد من الرسائل السلطانية لهذا السلطان العلوي الشهم يوبخ فيها السلطان العثماني عن تقاعسه في نجدة الأسرى الجزائريين بل نجد نفس السلطان الذي اعترف باستقلال أمريكا1777يشهر الحرب على سفنها التي حاولت قنبلة الجزائر وطرابلس وتونس هذه هي الرأفة والرحمة العلوية، وهذه هي الأخوة العربية وحسن الجوار والتضامن في السراء والضراء.

 أما السلطان مولاي عبد الرحمن فقد كان نعم الأب والأخ والجار والمعين لإخوانه أهل الجزائر أثناء محنتهم ونكبتهم مع المستعمر الفرنسي سنة 1830مد لهم أياديه البيضاء بالمال والرجال والخيل المسومة والقناطير المقنطرة بالذهب والفضة لإسعافهم واتقادهم من الظلم والجور والطغيان الفرنسي وفتح لهم أبواب مملكته واواهم من خوف  وأسكن من روعتهم ووفر لهم المسكن والأكل والوظيفة واستظلوا برايته وانخرطوا في سلك إخوانه واحبابه المهاجرين لدولته المنيفة.

وزاد من كرمه وأسبغ عليهم أردية العناية والتوقير وجعلهم من رعيته بل من أعز رعاياه وقبل بيعتهم وجهز جيشه وخيله وانطلق لمواجهة المستعمر الفرنسي واشتبك معهم في العديد من المعارك دفاعا عن أرض الجزائر وعن مسلمي الجزائر.

  لكن الأقدار شاءت أن ينهزم الجيش المغربي في معركة ايسلي معركة التضامن مع إخوانه الجزائريين سنة1844  لكن الوشائج والروابط الاجتماعية والدينية، ظلت تجمع بين الشعبين رغم الحدود الاصطناعية والوهمية التي أقامتها فرنسا لتقسيم الشعبين المغربي والجزائري.

 واستمرت العلائق والاتصالات مابين أفراد البلدين رغم الطوق والحصار الذي ضربته فرنسا على شريط الحدود لمنع الناس من التلاقي والتواصل ولم تفتر هذه الروابط، إلا بعدما تمكنت فرنسا من فرض سيطرتها على المغرب سنة1912 ، ورغم ذلك ظلت الرحلات والأسفار وتجار القوافل يجوبون واحات الصحراء الشرقية المغربية ويزودون إخوانهم الجزائريين بكل ما يحتاجونه من مواد غذائية ومؤن، وظن الفرنسيون أنهم بفضل أسلحتهم الفتاكة قد نجحوا في كسر تلك الروابط وطمسوا معالم العلائق التاريخية التي كانت تجمع ما بين الشعبين المغربي والجزائري، لكن الأقدار الربانية جادت على البلاد المغربية بملك شهم وبطل مغوار ألف الحرية وعشق تربة بلده المغرب وحنين الحرية والانفتاح من ربقة الاستعمار الفرنسي فهيا له الخالق سبحانه وتعالى رجال الحركة الوطنية ورجال المقاومة والفدائيين الذين اقسموا على انتزاع حريتهم واستعادة كرامتهم من المستعمر، فجاءت ثورة الملك والشعب 20غشت1953والتي تركت حماسا كبيرا في نفوس الجزائريين واستنهضت هممهم سنة 1955  بعدما علموا باستقلال المغاربة بفضل نضال وجهاد محمد الخامس وجهاد الوطنيين والفدائيين والمقاومين وكافة أفراد المجتمع المغربي.

لم ينس محمد الخامس إخوانه أهل الجزائر فظل وفيا لحسن الجوار مدافعا عن استقلال الجزائر في المحافل الدولية، فاضحا سياسة الظلم والجور والطغيان التي تمارسها فرنسا عن إخوانه الجزائريين فمد لهم أياديه البيضاء لمساعدتهم على نيل الحرية والاستقلال أكثر من عطاياه المالية لأعضاء الثورة الجزائرية، فتح لهم أبواب مملكته لتدريب المجاهدين، ساعدهم على إقامة معسكرهم في شمال المغرب وإقامة إذاعتهم للتشهير بسياسة فرنسا القمعية، ولم يقبل التفاوض مع الفرنسيين حول الحدود المغربية والمناطق المسلوبة من المملكة.

 واعتبر ذلك شان يخص البلدين الصديقين وسيحلانه بالطرق الحرية القائمة على أسس الحوار، واستحضار الجوار والمصاهرة والوشائج والدين وعبر عن هذه الرغبة أمام أنظار العالم وهو يصدح بأعلى صوته في الأمم المتحدة ارفعوا أياديكم الدموية عن الشعب الجزائري فكوا القيود الاستعمارية من أيادي الجزائريين فضاعف من عطاياه المالية واقتنى للثوار الجزائريين السلاح والذخيرة الحربية إلى أن نالوا مبتغاهم واستمرت العلاقات مابين الشعبين المغربي والجزائري، رغم الغيوم السوداء التي سادت ما بين البلدين بسبب تعنت الجزائريين بخصوص مطالب المغرب بأراضيه المغتصبة من حدوده الشرقية.

ورغم تعنت موقف الحكام العسكريين الجزائريين من قضية الصحراء المغربية، فقد ظلت أيادي الملك الهمام الحسن الثاني رحمه الله ممدودة للجزائريين كل مرة يدعوهم للتراجع عن غيرهم ويناشدهم بإحلال السلم والسلام في المنطقة ويتغاضى عن كرههم وحقدهم للمغرب، بسبب استرجاع لصحرائه المغتصبة ودعاهم إلى توحيد الصفوف والجهود وإعادة ترتيب بيت المغرب العربي الكبير في إطار اتحاد دول المغرب العربي، الذي رأى النور في مراكش سنة 1989 ، لكن الطمع والجشع أعمى بصيرة الحكام العسكريين الجزائريين وفضلوا سياسة الأذان الصماء وزادوا من حقدهم بعد أحداث فندق اسني بمراكش، وأعلنوا عن إغلاق الحدود مابين البلدين وحرموا الناس من التواصل فيما بينهم  وقطعوا عليهم أرزاقهم ،ولم يرد عليهم المغرب بالمثل مثلما فعل سنة 1975 بعدما طردوا 45الف عائلة مغربية من الجزائر.

 واليوم ها نحن نفتح ذراعينا من جديد لإخواننا الجزائريين وندعوهم إلى طي صفحة الماضي ونفتح صفحة جديدة يغمرها الحب والوئام  والمصلحة المشتركة في ظل الحراك الذي يشهده العالم والذي لا يبشر بالخير بسبب كثرة الحروب والنزاعات الدولية، ناهيك عن مخلفات الأمراض الفتاكة والوباء الخطير الذي ساد العالم منذ سنة 2020 .

ولكي يعلم حكام الجزائر ان نيتنا حسنة و رغبتنا مشتركة ودفنا مصلحة شعوب المغرب العربي الكبير، هاهو ملك المغرب محمد السادس يعلنها صرخة جديدة لمن له عقل راجح وفهم بالسياسة المستقبلية ويمد يديه من جديد لإخوانه بالجزائر ويدعوهم إلى نبذ الأحقاد ونسيان سنوات القطيعة واحلال الأمن والأمان والسلم والسلام، لتمكين أجيال البلدين من العيش الرغيد ومواجهة تحديات المستقبل القاتلة ،هذه بعض مظاهر التآزر والتكافل و التآخي التي ما فتئ ملوك المغرب يعرضونها على حكام الجزائر، ها حنا ولاد ليوم ننساو الماضي ونفتحو صفحات جداد ونديرو الطريق منين يدوز الما باش نرواو جميع  ونخلقو وحدة مغاربية قوية ومتكاملة الموارد البشرية والفلاحية والصناعية  ..الخير راه مازال لقدام  واللي تعاون مع الشرفا العلويين غادي يربح وينجح ويحوز المجد والخير لعميم..

ها يدينا ممدودة وقلوبنا مفتوحة نتسناوكم باش نتعانقو من جديد كيما كانوا والدينا وجدودنا حنا اقل ضجا او نصحا منهم ..

ديروا النية معانا ولا تربحو

واش حنا اقل نضجا او نصحا منهم ديروا النية مع العلويين وغا تربحوا معاهم الخير والتيسير واظن ان الميساج، وصل وكان واضحا من طرف الملك محمد السادس بأنه ليس هناك أي خطر او شر من المغرب للجزائريين.

 لنغتنم جميعا هذه الفرصة الذهبية وننطلق لإعادة الثقة بين مكونات الشعبين ونفتح الحدود في وجه الآباء والاحفاد والجدود، سيبقى التاريخ اكبر شاهد على حسن العلاقات بين الشعبين المغربي والجزائري وستبقى الروابط الانسانية والعلاقات الاجتماعية ودماء المصاهرة ودماء المقاومين والمجاهدين، اكبر دليل على الأخوة التي سادت لأزمنة طويلة بين البلدين..

 ونتمنى أن تجد أذان صاغية لدى حكام الجزائر لينطلق مركب اتحاد دول المغرب العربي الكبير، وتعم المنفعة وتتحقق أمال الشعوب التواقة للتعاون والتضامن وما ذلك على الله بعزيز …

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar