تداعيات مدمرة حال المواجهة المحتملة بين حزب الله وإسرائيل

تزداد الأحداث في جنوب لبنان التهابا مع تصاعد وتوسع المواجهات تدريجيا بين حزب الله وإسرائيل، المستمرة منذ 8 أكتوبر على وقع حرب غزة، حيث طرأ عليها تغير كبير في أساليب الاستهداف ونوعية السلاح المستخدم إضافة الى توسع جغرافية العمليات، ما ينذر بمواجهة لا يريدها الطرفان لكنها قد تفرض نفسها.

وكانت الأيام الماضية في جنوب لبنان، دامية تحت وطأة تصعيد إسرائيلي اتسم باستهداف مقاتلي حزب الله بالمسيرات لإيقاع أكبر عدد من الضحايا بينهم، حيث كان الأحد الماضي، أحد أشد أيام المواجهات بين الجانبين منذ ثمانية أشهر بحيث بلغت حصيلة قتلى الحزب 8 قتلى وهو رقم رقم قياسي والأعلى منذ 8 أكتوبر، استهدفت تل أبيب معظمهم بمسيرات في الناقورة وعيتا الشعب وحولا وغيرها.

تصعيد انبرى بعده حزب الله إلى الردود العنيفة والمركزة مستهدفا مستوطنات جديدة لم يكن قصفها سابقا مثل مقر قيادة كتيبة ثكنة “حبشيت” ناهيك عن توجيهه رشقات صاروخية كثيفة نحو مناطق مختلفة من الجليل.

وفي ظل ترسانة أضخم وأدق تكنولوجيا يقول حزب الله إنه امتلكها بعد حرب 2006 مع إسرائيل تثار تساؤلات بشأن قدرة إسرائيل على التعامل مع السلاح الذي يمتلكه حزب الله، خاصة وأن رشقات صواريخ حركة حماس “التقليدية” كشفت عن ضعف القبة الحديدية وهل أن تل أبيب قادرة على الحرب على جبهات متعددة، وماهي حدود المساعدة الأميركية لإسرائيل حال المواجهة وكيف ستتدخل إيران والميليشيات العراقية لنجدة حزب الله؟؟.

ترسانة حزب الله

يعول حزب الله على ترسانة كبيرة من الأسلحة في المواجهات الجارية مع إسرائيل، إذ قال حسن نصر الله الأمين العام للجماعة المدعومة من إيران الأربعاء إنها حصلت على أسلحة جديدة. ولم يحدد نصر الله الأسلحة الجديدة، لكنه قال إنها “ستبين بالميدان”.

وترتكز القوة العسكرية لجماعة حزب الله على ترسانة ضخمة من الصواريخ. ويقدر أن لديها ما يصل إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة متباينة النوع والمدى، وفقا لكتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية.

ويقول حزب الله إن لديه صواريخ يمكنها ضرب جميع مناطق إسرائيل.

والكثير من تلك الصواريخ غير موجهة، لكن الجماعة لديها أيضا صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة وصواريخ مضادة للدبابات والطائرات والسفن.

ويقول محللون إن إيران ترسل الأسلحة إلى الجماعة برا عبر العراق وسوريا حيث تتمتع طهران بعلاقات وثيقة ونفوذ. والكثير من أسلحة الجماعة هي طرز إيرانية أو روسية أو صينية.

وقال نصر الله في 2021 إن لدى الجماعة 100 ألف مقاتل. ويقول كتاب حقائق العالم إن التقديرات في 2022 تشير إلى أن عدد المقاتلين بلغ 45 ألفا مقسمين بين نحو 20 ألفا من المقاتلين المتفرغين و25 ألفا من قوات الاحتياط.

واستخدمت الجماعة الصواريخ الموجهة المضادة للدبابات بشكل مكثف في حرب 2006. ونشرت صواريخ مثلها مجددا في أحدث جولات القتال.

وتتضمن صواريخ حزب الله المضادة للدبابات صواريخ كورنيت روسية الصنع.

وأفاد تقرير بثته قناة الميادين الموالية لإيران بأن حزب الله استخدم أيضا صاروخا موجها إيراني الصنع يُعرف باسم (ألماس) لأول مرة خلال أحدث الأعمال القتالية.

ووصف تقرير من مركز ألما للأبحاث والتعليم الإسرائيلي في أبريل صاروخ ألماس بأنه سلاح مضاد للدبابات يمكنه ضرب أهداف خارج خط الرؤية متبعا مسارا مقوسا، مما يمكنه من الضرب من أعلى.

وأضاف التقرير أن هذا الصاروخ من عائلة أسلحة صنعتها إيران من خلال الهندسة العكسية اعتمادا على عائلة الصواريخ سبايك الإسرائيلية وأنه “أهم منتج” لقطاع الدفاع الإيراني في حوزة حزب الله.

وقالت الجماعة في السادس من يونيو إنها أطلقت النار على طائرة حربية إسرائيلية. وذكر مصدر مطلع على ترسانة الجماعة أنها فعلت ذلك لأول مرة ووصف الأمر بأنه إنجاز وأحجم عن تحديد نوع السلاح المستخدم.

وأسقط حزب الله أيضا طائرات مسيرة إسرائيلية خلال الصراع باستخدام صواريخ سطح – جو.

وجاءت أول واقعة مماثلة في يوم 29 أكتوبر من العام الماضي، حينما قال حزب الله لأول مرة إنه استخدم أسلحة مضادة للطائرات كان يُعتقد منذ فترة طويلة أنها ضمن ترسانته.

واستخدم حزب الله هذه الصواريخ عدة مرات منذ ذلك الحين، منها إسقاط طائرات مسيرة إسرائيلية من طرازي هيرميس 450 وهيرميس 900.

وأطلق حزب الله طائرات مسيرة ملغومة على إسرائيل مرات عديدة خلال أحدث الأعمال القتالية.

واستخدم الطائرات المسيرة في بعض هجماته الأكثر تعقيدا، وشن بعضها بهدف إبقاء الدفاعات الجوية الإسرائيلية منشغلة بينما كانت طائرات مسيرة أخرى ملغومة تحلق صوب أهدافها.

وأعلنت الجماعة في الآونة الأخيرة تنفيذ هجمات باستخدام طائرات مسيرة تسقط قنابل وتعود إلى لبنان، بدلا من الاكتفاء بالتحليق نحو أهدافها.

ويقول حزب الله إن طائراته المسيرة التي تتضمن أيوب ومرصاد، يتم تجميعها محليا. ويقول محللون إن من الممكن إنتاج هذه الطائرات بسعر رخيص وبكميات كبيرة.

وشكلت القذائف غير الموجهة الجزء الأكبر من ترسانة حزب الله الصاروخية في الحرب الأخيرة مع إسرائيل عام 2006، عندما أطلق نحو أربعة آلاف صاروخ على إسرائيل، معظمها كاتيوشا روسية الصنع يصل مداها إلى 30 كيلومترا.

وقال نصر الله إن أكبر تغيير في ترسانة الجماعة منذ 2006 هو التوسع في أنظمة التوجيه الدقيق لديها.

وفي 2022، قال إن حزب الله لديه القدرة على تزويد آلاف الصواريخ بأنظمة توجيه لجعلها دقيقة.

ويمتلك حزب الله أنواعا إيرانية، مثل صواريخ رعد وفجر وزلزال، التي تتميز بحمولة أقوى ومدى أطول من صواريخ كاتيوشا.

وشملت الصواريخ التي أطلقها حزب الله على إسرائيل خلال حرب غزة منذ أكتوبر 2023 صواريخ كاتيوشا وبركان بحمولة متفجرة تتراوح بين 300 و500 كيلوغرام.

واستخدمت الجماعة لأول مرة في الثامن من يونيو صواريخ فلق 2 إيرانية الصنع التي يمكنها حمل رأس حربي أكبر من صواريخ فلق 1 المستخدمة في الماضي.

وفيما يشير إلى الضرر الذي يمكن أن تُحدثه، أطلق نصر الله في عام 2016 تهديدا ضمنيا بأن حزب الله قد يضرب صهاريج تخزين الأمونيا في مدينة حيفا الساحلية بشمال إسرائيل، قائلا إن النتيجة ستكون “كالقنبلة النووية”.

وأثبت حزب الله لأول مرة أن لديه صواريخ مضادة للسفن في 2006 عندما أصاب سفينة حربية إسرائيلية على بعد 16 كيلومترا قبالة الساحل مما أدى إلى مقتل أربعة إسرائيليين وإلحاق أضرار بالسفينة.

وتقول مصادر مطلعة على ترسانة حزب الله إنه حصل منذ حرب 2006 على الصاروخ ياخونت روسي الصنع المضاد للسفن والذي يصل مداه إلى 300 كيلومتر. ولم يؤكد حزب الله قط امتلاكه هذا السلاح. وبث حزب الله أيضا مقاطع مصورة قال إنها تظهر المزيد من الصواريخ المضادة للسفن التي استُخدمت في عام 2006.

جبهات متعددة

يشكك مسؤولون أميركيون في قدرة إسرائيل على التعامل مع جبهات حرب متعددة (حزب الله في لبنان وحماس في غزة والميليشيات في العراق واليمن) ويتشككون خاصة في قدرة تل أبيب على التصدي لصواريخ حزب الله حال توسع الصراع.

وتحدثت تقارير إعلامية عن مخاوف من استخدام حزب الله “أسلحة دقيقة” في وقت متزامن في حال توسعت رقعة الصراع. وأعرب مسؤولون أميركيون عن خشيتهم من عدم قدرة القبة الحديدية على التعامل مع صواريخ حزب الله.

ونقلت وسائل إعلام في واشنطن عن مسؤول أميركي قوله إن إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة بإمكانية شن “حرب سريعة” ضد حزب الله، وأن واشنطن حذرت من أن تداعيات خطوة كهذه ليست مضمونة.

ويرى محللون أن التحذيرات الأميركية تبدو منطقية في ضوء توقعات بأن تكون المواجهة، التي يرى كثيرون أنها حتمية بين إسرائيل وحزب الله، مختلفة تماما عن الحرب التي تخوضها تل أبيب في غزة، وضعا في الاعتبار قدرات حزب الله العسكرية.

وفي سياق التحذير من تداعيات مواجهة غير محسوبة العواقب، جاءت تصريحات مسؤول تنفيذي في قطاع الكهرباء بإسرائيل من مغبة الانخراط في حرب مع حزب الله وتأكيداته على قدرة الأخير على إغراق إسرائيل في الظلام ، قائلا إن “نصر الله يستطيع بسهولة إسقاط شبكة الكهرباء”.

كما شدد “لن نكون قادرين على ضمان الكهرباء، بعد72 ساعة بدون كهرباء، سيكون من المستحيل العيش هنا… لسنا مستعدين لحرب حقيقية”.

ووسط حالة الترقب التي تهيمن على الأوضاع في المنطقة، تثار العديد من التساؤلات عن حدود الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل حال اندلعت حرب كبيرة بينها وبين حزب الله تتخطى المناوشات القائمة بين الجانبين منذ أكثر من 8 أشهر، لاسيما في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة والخلافات العميقة التي خرجت للعلن مؤخرا بين إدارة الرئيس جو بايدن ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على خلفية تعليق واشنطن تسليم تل أبيب أسلحة وذخائر.

ويتسع مجال التساؤلات ليشمل أيضا حدود تدخل إيران ودعمها لحزب الله في مثل هذه المواجهة، خاصة بعد الموقف الذي أعلن عنه الاتحاد الأوروبي وإعرابه عن التضامن مع قبرص عقب تهديد حزب الله لها بأنها “قد تصبح جزءا من الحرب” إذا سمحت لإسرائيل باستخدام بنيتها التحتية لأغراض عسكرية.

ويأمل كثيرون في نجاح المساعي الدولية الرامية إلى نزع فتيل التوتر على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، وتجنيب المنطقة خطر اندلاع حرب إقليمية واسعة ستلقي بلا شك بتداعياتها السلبية على دولها وتعمق أزماتها.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar