ذكرى انتفاضة الدار البيضاء ضد المستعمر الفرنسي.. ترسيخ لقيم التضامن والتعاضد المغاربي

بحلول 7 دجنبر الجاري، تكون قد مرت 67 سنة على انتفاضة سابع وثامن دجنبر من سنة 1952 بالدار البيضاء ضد المستعمر الفرنسي، حين ثارت ساكنة المدينة في وجه المستعمر، بعد جريمة اغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد يوم 5 دجنبر من السنة نفسها .

فقد أكد الشعب المغربي، من خلال هذه الانتفاضة، تشبعه بقيم التضامن مع باقي الشعوب المغاربية في نضالاتها ضد قوى الاستعمار الغربية، وتوقها إلى الحرية والاستقلال وبناء المغرب العربي الكبير.

وجسدت هذه الانتفاضة عمق البعد المغاربي للكفاح الذي خاضه العرش والشعب من أجل الحرية والاستقلال والوحدة، ونبل الروح الوحدوية التي كانت سائدة بين الأقطار المغاربية الشقيقة التي كانت تتفاعل مع كل التهديدات المحدقة باستقلالها بتبادل الدعم والمساندة، لأن قضية مقاومة الاحتلال الأجنبي والذود عن حياض الأوطان، تتجاوز الحدود القطرية والجغرافية.

وتشكل هذه الذكرى، التي تعد محطة تاريخية تحمل مقاصد وحدوية مغاربية، فرصة لاستحضار الروح الوحدوية السائدة بين الأقطار المغاربية، وللتشديد على أهمية بعث هذه الروح، بهدف بناء الصرح المغاربي وتقوية دعائمه، وإعلاء مكانة ساكنته بين الشعوب والأمم.

كما تعد هذه المحطة من تاريخ هذه المنطقة، التي يكرم خلالها صفوة من قدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مناسبة للتوقف عند أهمية الدعم المادي والمعنوي الذي قدمه المغرب للثورة الجزائرية في مواجهة الحملة العنيفة التي كانت تتعرض لها، وقتئذ، من طرف المستعمر الفرنسي، مع إبراز حاجة المنطقة المغاربية، في الظروف الراهنة، لتلك الروح التضامنية والوحدوية لرفع التحديات التنموية والأمنية.

وهي كذلك فرصة للتذكير بالوقفة التضامنية التي حفظها أهل تونس للمغاربة، ففي الخطاب الذي ألقاه رئيس المجلس الوطني التأسيسي التونسي السيد مصطفى بن جعفر أمام أعضاء المجلس في 31 ماي 2014، ترحيبا بصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أكد بن جعفر أن “تونس لا تنسى أبدا الموقف النضالي العظيم لجلالة المغفور له محمد الخامس، وتضامنه المطلق مع تونس، وننحني بخشوع لشهداء الدار البيضاء الذين سقطوا برصاص الاستعمار الفرنسي يومي 7 و8 دجنبر 1952 بعد أن هب مواطنو ومواطنات الدار البيضاء في انتفاضة عارمة على الآلة الاستعمارية الغاشمة استنكارا للاغتيال الفظيع والوحشي للزعيم فرحات حشاد”.

وبحسب العديد من المؤرخين فقد شكلت هذه الانتفاضة منعطفا حقيقيا في تاريخ كفاح الشعوب المغاربية، والعمالية على الخصوص، إذ كانت المنطلق لبناء عمل نقابي وحدوي، جمع إرادة الشعوب ووحد تطلعاتها نحو وطن مغاربي بلا حدود.

فالأمر يتعلق برائد من رواد الحركة العمالية، أرسى قواعد العمل النقابي المناضل، وعمل بقوة من أجل تأسيس اتحاد نقابي على مستوى شمال إفريقيا، يجمع كل النقابات التي نشأت بالمغرب والجزائر وليبيا.

ويكتسي تخليد هذه الذكرى صبغة خاصة، حيث إنه يندرج في سياق حرص المغرب على الحفاظ على علاقات قوية وبناءة مع باقي بلدان المغرب العربي والقارة الإفريقية، واستعداده الدائم للتعاضد والتضامن مع الأشقاء والأصدقاء، والسعي لتدارك الفرص الضائعة، وتجاوز النزاعات المجانية التي ظلت تقف حجر عثرة في وجه إقلاع اقتصادي حقيقي بمنطقة المغرب العربي.

وتحفل ذكرى انتفاضة الدار البيضاء بالعديد من الدروس التاريخية التي يتعين على الأجيال الحالية والمستقبلية، استخلاصها وأخذ العبرة منها ، فضلا عن الوعي بدورها في انطلاق المقاومة الفدائية وانتشار رقعتها عقب نفي جلالة المغفور له محمد بن يوسف طيب الله ثراه وإبعاده عن العرش في 20 غشت 1953.

وقد دأبت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، كل سنة، على تنظيم لقاءات وتجمعات ومهرجانات خطابية بهذه المناسبة، تبرز من خلالها المواقف الثابتة لأسرة المقاومة وجيش التحرير، وانخراطها التام في أجواء التعبئة الوطنية العامة من أجل الدفاع عن القضية الوطنية الأولى، قضية الوحدة الترابية المقدسة.

ويشمل برنامج هاته السنة، على الخصوص، زيارة مقبرة الشهداء (وقفة ترحم على أرواح شهداء ملحمة الاستقلال والوحدة)، يليها مهرجان خطابي.

كما يشمل البرنامج توزيع أوسمة ملكية سامية، وتكريم عدد من المقاومين، فضلا عن تسليم إعانات مالية على مجموعة من المستفيدين المنتمين لأسرة المقاومة وجيش التحرير.

إن انتفاضة الدار البيضاء، تشكل عنوانا للآمال التي ظلت الشعوب المغاربية تتطلع إليها منذ عدة عقود بتحقيق الوحدة والتكامل، والتي ظلت مجرد مشروع يتأجل باستمرار جراء نزاعات هامشية مفتعلة، ومواقف مزاجية، وأطماع وهمية لفرض الهيمنة والتوسع في منطقة المغرب العربي الكبير.

تابع آخبار تليكسبريس على akhbar